جهاد الأقليات

2 ثانية
0
0
1,363

جهاد الأقليات

ياسر الغرباوي

 

إدارة التنوع في المجتمعات المتعددة الانتماءات والهويات عملية تحتاج إلي تتضافر جهود فئات المجتمع جميعها المقيمة في الوطن ، سواء كانت هذه الفئات تشكل الأغلبية العددية أو تمثل الأقلية،فالكل مطالب بتقديم المجهود والفكر والسلوك اللازم لضمان الحفاظ علي الاستقرار والسلم الأهلي للجميع ،وكنا قد تناولنا سابقاً مسئولية الأغلبية تجاه الأقليات في المجتمع، وسنركز هنا علي دور الأقلية في الحفاظ علي وحدة المجتمع وتماسكه .

أنواع الأقليات :

هناك أقليات تؤمن بأنها جزء لا يتجزأ من المجتمع الذي تعيش فيه علي الرغم من وجود بعض مظالم واقعة عليها، لكنها تناضل في سبيل الاندماج الكامل والمساواة العادلة مع جميع أفراد المجتمع مستهدفة بنضالها هذا التأكيد علي قيم المواطنة والعدالة في ظل الوحدة الجغرافية الجامعة للوطن ولا تسعي إلي الانفصال أوالانشقاق ،وأبرز مثال علي ذلك نضال الأقلية السوداء في الولايات المتحدة الأمريكية من أجل الاندماج والمساواة في إطار الحلم الأمريكي الجامع لكل الأمريكيين علي تراب الولايات المتحدة الأمريكية المتحد .

النوع الثاني من الأقليات يشترك مع النوع الأول من زاوية النضال والمطالبة بالحقوق ولكن بهدف الانفصال عن الأغلبية جغرافيا ويرغب في بناء دولة جديدة خاصة به ،وتأتي تجربة انفصال جنوب السودان في هذا الإطار.

و في هذا المقال نحن معنيون بالصنف الأول من الأقليات الذي يناضل من أجل الاندماج الكامل والحقيقي في جسد الوطن الواحد، وهذا النوع من الأقليات نضاله مقدر ومحترم طالما لم يستعن بالأجنبي ولم يستدعي أعداء الوطن لنيل حقوقه المشروعة، وكلما كان نضال الأقلية حضاريا ومدنياً دون استخدام العنف كلما كانت فرص نجاحه أكثر وأكبر، و نضال الأقليات الراغبة في الاندماج ينبغي أن يمر علي ثلاث محطات مهمة :

المحطة الأولي : بناء خطاب جامع يركز علي المشترك مع الأغلبية:

من أجل نجاح الأقلية في مطالبها المشروعة علي مستوي الرأي العام والشعبي بعيداً عن فلسفة المكاسب الهشة الممنوحة من الحكومات التي غالبا ما تذهب بذهاب الحكومة أو الحزب المانح لها،ينبغي للأقلية أن تتبني خطابا جامعا يتعاطف معه كل فرد في المجتمع بغض النظر عن دينية أو عرقه أو لغته ،خطاب يجمع ولا يفرق ويبحث عن القواسم المشتركة ويدعمها ويبني عليها ، وفي هذا الإطار تأتي تجربة المسيحيين المصريين الذين نجحوا تاريخياً في تقديم خطاب وطني جامع يدعم قيم الوطنية والولاء للوطن المصري، وانعكس ذلك في تسامح الأغلبية المسلمة معاهم وزيادة قناعاتهم بأهمية المسيحيين ودورهم الدفاع عن الوطن والدفع في تقدمه

المحطة الثانية : تقديم نماذج جذابة علي مستوي الأفراد والمؤسسات :

ينبغي للأقلية أن تبدد مخاوف وهواجس الأغلبية نحوها عبر تقديم نماذج جذابة علي مستوي الأفراد الذين يؤمنون بقيم الوطنية و المواطنة والمساواة والعدالة للجميع ،وخصوصاً في أوقات الشدائد التي تمر علي الوطن وتأتي مواقف رجالات الكنسية الأروذكسيه المصرية كنموذج عربي ناجح في هذا الإطار عندما وقفوا دائما ضد الغازي الأجنبي علي الرغم من محاولته إغراءهم ببعض المكاسب الاقتصادية والقانونية علي حساب الأغلبية، ومن هذه المواقف موقف الأب سرجيوس عندما وقف علي منبر الأزهر في القاهرة إبان ثورة 1919 ليقول ” إذا كان الانجليز يتمسكون ببقائهم في مصر بحجة حماية الأقباط ،فأقول ليمت القبط وليحي المسلمون أحراراً”، وينبغي للأقليات أن تؤسس هيئات مجتمع مدني تقدم خدمتها للجميع دون التفرقة بينهم بسبب اختلاف الدين أو العرق أو اللغة متى تسير لها ذلك ، وفي هذا الإطار يمكن الاستفادة من التجربة المصرية الكاثوليكية في مؤسساتها التعليمية المفتوحة لكل المصريين المسلمين والمسيحيين علي حد سواء .

 

المحطة الثالثة : الشراكة في الألآم والتحديات

عندما يعتري الوطن مكروه داخلي متمثل في حاكم مستبد أو كارثة طبيعة يظهر المعدن الأصيل للمجموعات الوطنية التي تؤمن بالوطن والوطنية ،ففي فترات الاستبداد والقهر يسعي الطاغية إلي آلية التفريق بين مكونات المجتمع عبر خطب ود الأقليات وأعطاها بعض المكتسبات الهشة ليجعلها مناطق حاجزة بينه وبين غضب الأغلبية، فينبغي للأقليات أن تفهم هذه المعادلة وأن تنحاز للوطن وليس للمستبد وأن تتحمل مع الأغلبية أوجاع الوطن وتناضل مع الجميع لتسود قيم العدالة والمساواة علي الجميع.

وقد شاهد الجميع طرق نظام حسني مبارك البائد في رزع بذور الشقاق والفرقة بين المسلمين والمسيحيين في مصر واللعب علي وتر الطائفية ليضمن لنفسه بقاءاً أطول علي كرسي الحكم.

وتأتي تجربة الأقلية المسلمة في دولة جنوب إفريقيا والتي تشكل قرابة 2% من إجمالي عدد السكان كتجربة رائدة في هذه المحطة حيث وقفت هذه الأقلية مع السود في ناضلهم ضد نظام الفصل العنصري؛ وردت الأغلبية الجميل لها عبر منحها الحريات الكاملة والحقوق الدستورية التي تجعلهم علي قدم المساواة مع الجميع في ظل الجمهورية الجديدة بعد انتهاء سياسية الفصل العنصري .

من خلال هذه المحطات الثلاث وغيرها ينبغي للأقليات أن تبدع طرقا متنوعة تنال من خلالها حقوقها المشروعة في إطار الحفاظ علي وحدة وتماسك الجماعة الوطنية وفي إطار الوطن الجامع والوطنية الخالصة .

وينبغي للأغلبية أن تدرك أن نجاح الأقلية في نيل حقوقها المشروعة في وطنها يجعل المجتمع أكثر أماناً وسلامة وقدرة علي تحقيق التنمية والنهضة .

 

عرض مقالات ذات صلة
Load More By ياسر الغرباوي
Load More In تقارير ومقالات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

بامكانك الاطلاع على

لقاء مع المفكر المصري الباحث والمهتم بقضايا بناء السلام والمصالحة المجتمعية

يحاوره د.عبد الله مشنون  يُعد الأستاذ ياسر الغرباوي أحد المفكرين المصريين البارزين عل…