قصة التنوع ج2

2 ثانية
1
0
1,744

في الجزء الثاني من “قصة التنوع” يواصل أ.ياسر الغرباوي طرحه لإشكالية التعددية والتنوع، والحلول العملية التي يطرحها المركز لإدارة هذا الملف الهام والشائك، حيث يطرح مركز “التنوع” رؤية لإدارة ملف التنوع والاختلاف مبنية على ثلاث مبادئ أساسية أولها :-


هو القيام بعملية نحت معرفي للتعرف على المكونات الأصيلة بتنوعاتها المختلفة من مذاهب وأفكار وأطياف وأعراق وجماعات داخل الحاضنة العربية الإسلامية، فالتعرف هو الطريق للتآلف، والإنسان عدو ما يجعله فالله تعالي يقول :” وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ” وكأن أصل خلق البشرية هو التعرف إلى بعضها، فالشعوب في الحالة الإسلامية لا يعرف بعضها بعضاً، وبالتالي تبنى الأفعال والتوجهات السياسية على تصورات منقولة ومشوهة وبناء على تصورات منمطة.

فعلى سبيل المثال المشكلة الكردية، لتكوين إضاءة معرفية تعين على فهم حلول تلك الطائفة الإجتماعية الهامة في المحيط العربي والإسلامي؛ لابد أن نعرف أصل مشكلاتها ومتى برزت وإلى أي شيء يسموا إليه الأكراد، ومن هم الأكراد، وأين وجودهم في الخارطة الجغرافية والسياسية للعالم العربي والإسلامي. كل تلك الإجابات تعطينا إضاءات على مسار الفهم للمكونات الاجتماعية الأصيلة سواء اختلفت لغةً أو مذهباً أو عرقاً.

أبعاد دراسة الظاهرة

الغرباوي يشير هنا إلى أن أهم الإشكاليات التي واجهت مشروع التعددية والتنوع هو معالجته من مدخل واحد هو المدخل الشرعي، حيث دخل المفكرون من باب الدراسة الأصولية الشرعية وحدها ليقسموا المسلمين ما بين فرقة ناجية وأخرى منحرفة، وثالثة زنادقة، وبالتالي بدلاً من المنظور السياسي والإنساني الجامع تشتت الأمة وتمزقت، وبالتالي فالأبعاد الانسانية لا يمكن اختصارها في بعد واحد فقد يكون هناك عراقي كردي يتحدث الكردية لكن في النهاية عراقي، وقد يكون هناك لبناني شيعي لكنه في النهاية يؤمن بالدولة اللبنانية، رؤية ملف التنوع بمنظور الشرع وحده هو سؤ فهم لهذه المكونات الحاضرة في الحاضنة الإجتماعية…

وبالتالي كانت خارطة مركز “التنوع” التي وضعت طرق جديدة للتعاطي مع المكونات الاجتماعية في الحاضنة العربية والإسلامية، مدخلها الأساسي هو  تسليط إضاءات سيسيولوجية والتي تعني إدخال علوم الاجتماع،وعلم النفس، وعلم الجغرافيا والتاريخ للتعرف على هذه المكونات بشكل جيد.

فلدى طرح تساؤلات مثل لماذا تتركز الطائفة الشيعية في جبل عامر في البنان، وفي الأحساء بالمنطقة الشرقية، ومناطق البحرين، ولماذا لم يتوطن المذهب الشيعي في مصر ..لا يمكن بحال أن يسعفنا به الجواب الشرعي، وبالتالي نحتاج أن ندرس التاريخ وأن نـتأمل في الجغرافيا، ونستدعي منظور الفلسفة، ونستعين بعلم النفس لكي نتعرف ونتعاطى مع هذه المساحة.

فالتاريخ يوضح لنا أثر الحروب الصليبية على العلاقة السنية الشيعية، وأثر الاحتلال بوجه عام على المكونات الاجتماعية المختلفة، والجغرافيا والجيوبوليتك تعيننا على إجابة سؤال لماذا تجنح الأقليات نحو المناطق المتطرفة مع الضغط تجنح هذه الأقليات للأطراف، وأسئلة من عينة أين نشأت هذه الجماعات ، وكيف نشأت.. لا يمكن أن تسعفنا بها النص الشرعي وحده بل يحتاج لجواره علوم الظاهرة الإنسانية، وعلم الاجتماع، وعلم التاريخ والجغرافيا،والفلسفة والتي تساعد في صنع رؤوي وجسور تمكنا من فهم الآخر والتعاطي معه.

عندما ننطلق للتعامل مع الشيعي  باعتباره يمثل الضمير المفجوع لما حدث لآل البيت ساعتها يمكن أن يجلس معك، أما في حين قلت أن الشيعة هم أصل الجماعة التي أنشأها عبد الله بن سبأ -هذه شخصية المختلف فيها تاريخياً- عندها سنجد مشكلة كبيرة في الحوار والتلاقي ووضع الرؤى المشتركة، وبالتالي كان المدخل الفلسفي هو المسعف لفهم هذه الظاهرة والتعاطي معها بإيجابية.

ولا يمكن إغفال المدخل الشرعي والذي هو جزء مهم في تكوين هذه الرؤية المتكاملة، فالله تعالى يقول في خواتيم سورة هود :” ولا يزالون متخلفين ولذلك خلقهم” وبالتالي يكاد يكون مقصد من خلق البشرية هو الاختلاف، نحن  نحتاج  أن نفهم كيف تعامل وتعاطي الإسلام والقرآن مع الإختلاف ومع الآخر، والتي أدت لوجود ثقافة إسلامية متسامحة استوعبت الآخر ووضعته بجوار أخيه المسلم كتفاً بكتف.

العوالم الكبرى

في التعاطي مع الأقليات والتعاطي مع الاختلاف والتنوع لابد من معالجة ثلاثة عوالم كبرى كما قال بن نبي عالم الأفكار المضطرب، وعالم عالم العلاقات المشوش، وعالم المشاريع .

فمن ناحية  عالم الأفكار المضرب تتصدر رؤى تقول أن المجتمع الذي يتميز مكونه باختلافات في أطيافه الاجتماعية ولغاته وأجناسه هو مجتمع ضعيف هش، سهل أن تتصدر فيه الصراعات والنزاعات ويتم ضرب مثال بالدولة العراقية .

وبالتالي لابد من الإجابة على ذلك بأن التنوع  هو أمر كوني وضرورة بشرية، والاستثناء لا يمكن تغليبه على العام، فأوروبا القارة العجوز هي مثال واضح على التنوع اللغوي والقومي وبالرغم من ذلك ضربت مثالاً على وحدة متميزة، والولايات المتحدة الأمريكية تعاطت مع التنوع واستوعبته وهي الأمة التي تجتمع فيها الأبيض والأسود وأحمر، والأصول اللاتينية والعربية والأوروبية والأفريقية ..للدرجة التي أوصلت رئيس أسود على رأس الدولة .

وبالتالي فالتنوع ليس قوة في ذاته ولا ضعف في ذاته، ولكن تكمن المشكلة في كيفية التعاطي معه، فدولة الصومال هي مثال رائع على توحد العرق والطائفة والمذهب، فكلهم  عرق واحد كلهم مسلمون كلهم شوافع، ورغم ذلك فالتشظي هو عنوان الدولة ومعلمها الأساسي.

المشكلة ليست مشكلة تنوع وتعدد، المشكلة هو سعة الصدر والعقل واقتناص نقاط القوة وتنميتها، ومعالجة عالم الأفكار، واعتبار تنوع المجتمع وتعدده قوة يثري ويقوي بنية الدولة وليس ضعفاً يمزقها ويهلهلها.

عندها يجب تفكيك الأفكار الخاطئة التي تقوم بتحطيم الاستقرار في هذه المجتمعات،  فمن يرى أنه الأجدر بحمل الدين وأنه النقى وأن البشر ضيوف عليه، ويقوم بنبش النص الديني، ويبدأ في استدعاه للتدليل على عنصريته لنفهم أنه وحده من الفرقة الناجية والمخلصة..ثم اذا استعلى واستدعي، يبدأ في مرحلة الإستعداء، والدخول في معارك الفتن والحروب

عالم العلاقات

إذا انضبطت عالم الأفكار تنضبط عالم العلاقات وبالتالي يشعر كل في الوطن الواحد أنه لبنة بجوار أخيه المسيحي أو الشيعي أو الكردي أو التركماني، فلن يتم نسيان أن المصريين المسيحيين شاركوا إخوانهم المصريين المسلمين في القبض على لويس التاسع المسيحي في المنصورة في الحرب الصليبية، ومن أحفاد أحفادهم كان قائد الجيش الميداني الثالث في حرب أكتوبر، وأن جنود كثر من المسيحيين شاركوا صلاح الدين الأيوبي حربه ضد الفرنجه، وأن موسي بن ميمون وزير صلاح الدين الأول كان يهودياً وأحد منظري الشريعة اليهودية، وأن بختشيوع طبيب هارون الرشيد كان مسيحياً ويتقاضى راتباً من أعلى رواتب الدولة وغيرها من الأمثلة التي تدلل على أنه باتزان عالم أفكارنا تتزن عالم علاقتنا..ثم ينضبط بالتالي عالم المشاريع المشتركة.

عرض مقالات ذات صلة
Load More By ياسر الغرباوي
Load More In المحاضرات والندوات

تعليق واحد

  1. faouzi

    25 أبريل, 2011 at 12:04 صباحًا

    السلام عليكم
    العمل أكثر من رائع، لي ملاحضتان:
    1- يرجوا تصحيح الأية التالية من مقالكم :” ولا يزالون متخلفين ولذلك خلقهم”
    2- مامعنى الجملة التالية “ويبدأ في استدعاه للتدليل على عنصريته لنفهم أنه وحده من الفرقة الناجية والمخلصة..ثم اذا استعلى واستدعي”

    رد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

بامكانك الاطلاع على

لقاء مع المفكر المصري الباحث والمهتم بقضايا بناء السلام والمصالحة المجتمعية

يحاوره د.عبد الله مشنون  يُعد الأستاذ ياسر الغرباوي أحد المفكرين المصريين البارزين عل…