الرئيسية صدى الأحداث كيف ندير التنوع والإختلاف فى ظل ربيع الثورات العربية ؟؟

كيف ندير التنوع والإختلاف فى ظل ربيع الثورات العربية ؟؟

2 ثانية
0
0
1,442

أجرى الحوار : أحمد عبدالحميد حسين

قضية إدارة التنوع والإختلاف تمثل قضية مركزية رئيسية وانعطافة مهمة في حياة الشعوب سواء في اتجاها نحو النهضة والتقدم أو نحو الهاوية والحروب الأهلية والطائفية؛ فلم نري في خرائط الجغرافيا ولا صفحات التاريخ أن أمة تقدمت ونهضت في ظل انقسام داخلي حاد وتنافر صارخ بين مكوناتها الوطنية. وتظل قضية إدارة التنوع المجتمعي في الحاضنة المصرية والعربية أمر هام للغاية، خصوصا مع قدوم الربيع العربي الذي فرض تغييرات سياسية كبيرة من شأنها أن تفرض تحولات اجتماعية وثقافية ستوثر بالتالي على مستقبل المنطقة بشكل كبير.
صحفية “
التغيير” التقت الباحث  ياسر الغرباوي، مدير مركز التنوع للدراسات والاستشارات، والذي طرح أجوبة عديدة لإدارة هذا الملف الشائك والهام.
بداية أستاذ ياسر، هل توجد أزمة تنوع في المنطقة العربية؟
أولا التنوع في حد ذاته لايمكن اعتباره أزمة وإنما هو تحدي والفعل البشري يجعلة قوة بحسن الإدارة، أو يجعلة ضعف وأزمة بسوء التعاطي معه؛ لكن يمكن الإجابة عن سؤالك من خلال لغة الأرقام التي لا تحابي أحداً:
كل الانفجارات المسلحة في العالم العربي في ربع القرن الأخير معظمها كان مرتبط بقضية العرقيات والطوائف والقوميات كالحرب الأهلية في السودان والتي استغرقت قرابة ربع قرن، والحرب الأهلية في شمال العراق، والحرب الأهلية في لبنان، وغيرها خسائر المنطقة العربية في حروبها الداخلية (الطائفية والقومية والعرقية) تبلغ عشرة أضعاف خسائرها في حروبها مجتمعة ضد إسرائيل والصراعات بين الدول داخل العالم العربي تسببت بين 1948–1991 في مقتل مالا يقل عن 1.29 مليون نسمة وتهجير نحو 7.3 مليون نسمه. والعنف في العراق أدى منذ عام 2003 إلى أكبر موجة نزوح في الشرق الأوسط منذ إنشاء إسرائيل عام 1948، وعدد النازحين في الاشتباكات بين الحكومة اليمينة والحوثيين يزيد عن مائة وثلاثين ألف مواطن، ويتجلي من خلال هذه الإحصائيات مدي خطورة الفشل في ادارة التنوع والإختلاف في الساحة العربية .
كيف يمكن التوفيق بين الإسلام كهوية والإسلام كدين كمشترك ثقافي وحضاري حاضن لتنوع الطائفي في المنطقة العربية؟
الأديان جمعيا جاءت لخدمة الإنسانية وليس العكس، وسيدنا المسيح علية الصلاة والسلام يقول في الإنجيل (إنما جعل السبت للإنسان ولم يجعل الإنسان للسبت)، وذلك رداً علي أحد كهنة اليهود الذي عاب عليه معالجة إمرأة مريضة يوم السبت وهو يوم العطلة المقدسة عند اليهود، والله سبحانة وتعالي يقول عن طبيعة رسالة النبي محمد صلي الله علية وسلم (وما أرسالنك إلا رحمة للعالمين). فالأصل في الأديان كل الأديان خاصة السماوية أنها دعوات للتسامح والمحبة ونشر السلام والتواصل بين الشعوب. والإسلام كدين سماوي يندرج تحت هذا الإطار؛ فهو دين للأغلبية في المنطقة العربية يحترم الأديان الأخري والمعتقدات المختلفة معه. بل الحضارة الإسلامية في حقيقتها هي نتاج هذا التعاون والتعايش بين المكونات الإجتماعية العربية المختلفة في العرق والدين واللغة.
تقدمت الحضارة الإسلامية والمنطقة العربية عندما كان هناك الإحترام والتقدير المتبادل بين كل المكونات المتنوعة في المنطقة العربية، فالإسلام انتشر بالخيالة العرب ودفع عنه بالدرع التركي وكتب بالقلم الفارسي، والإسلام لم يتحول إلي حضارة وهوية جامعة إلا عندما وضع يده علي الأمم الحضارية مثل العراق ومصر وبلاد فارس فالحضارة الإسلامية كما لخصها الدكتور جمال حمدان هي ببساطة مبادىء الإسلام وحضارات الدول المفتوحة. وكما لخص السياسي المصري مكرم عبيد معرفاً نفسه أنه مسيحي ديانة مسلم حضارة، فلا تعارض بين الإسلام كدين للأغلبية في المنطقة والإسلام كهوية وحضارة جامعة لكل مكونات الطيف الإجتماعي في البلدان العربية والإسلامية
لكن لبعض يتساءل كيف يمكن أن يحتضن الإسلام غير المسلمين وآياته تقول :” ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منها”، و” لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم”، و” لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم”؟
هذا السؤال من أهم الأسئلة التي اشتغلنا عليها في مركز التنوع للدراسات، وكان السؤال الرئيس هو ما دور الخطاب الديني في إدارة قضايا التنوع والإختلاف، فهل الخطاب الديني السائد في الساحة العربية والإسلامية يدعم قيم المواطنة والتعايش واحترام الآخر؟؟ أم أن الخطاب الديني السائد الأن في وسائل الإعلام والمنابر سواء في الكنائس والمساجد هو جزء من المشكلة لأنه يدعو للتباغض ونشر ثقافة الكراهية والتعصب ؟؟ وفي هذا الإطار قمنا بعمل دراسات أصولية عن كيفية تعاطي القرآن الكريم مع الإختلاف وكيف عالجه فلسفياً وإجرائياً ؟؟ وتوصلنا إلي هذه قاعدة مهمة وهي أنه يمكن تقسيم نوعية الأيات القرانية التي وردت في كتاب الله تعالي عند التعاطي مع الأخر إلي ثلاث أنواع:
الأولي:تعرض العقائد.
الثانية:تعرض الحقائق.
الثالثة:تعرض الحقوق
.
ويمكن من خلال تطبيق نموذج عملي أن نقف علي أهمية هذا التقسيم في التصدي الفعال لثقافة التعصب والكراهية، فكما ورد في السؤال، الله يقول ” ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم”، و” لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم”، الآية تقع في الصنف الثاني من الآيات التي تعرض الحقائق وتوضح نوع العلاقة من حيث الرضي القلبي والوجداني بين اليهود والنصاري والمسلمين، والآية الأخرى في السؤال ( لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم) تعرض الصنف الأول من الآيات وهي الخاصة ببيان موقف الإسلام من عقائد وقناعات الأخرين، فهذه الأيات تعرض للحقائق والعقائد فقط، فهل معني فساد عقائد الأخرين في نظر الإسلام وعدم رضاهم عن الإسلام كدين مسوغ للعداء والصراع والإقصاء أبداً يتضح ذلك من خلال استعراض الأيات الخاصة بالحقوق؛ فعلي الرغم مما سبق في جانب العقائد والحقائق الله سبحانة وتعالي يقول الآية الكريمة:(لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين و لم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم و تقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) وهذه الأية هي من الصنف الثالث الخاص بالحقوق، فالنص القرآني أقر أن هناك حقوق للآخرين المخالفين له في العقائد والحقائق لابد أن تصان، وأباح للمسلم أن يكون جد أولاده يهودياً أو مسيحياً، وأن تكون زوجته مسيحية أو يهودية، فلو كانت آيات العقائد والحقائق تعني الصراع والإقصاء والتهميش والإهانة فكيف يبيح للمسلم أن ينشىء أسرة متنوعة الانتماء العقدي .
لذلك التعصب الديني والخطاب الديني المتشنج ينبع من الخلط بين مساحات الآيات الثلاث (آيات العقائد وآيات الحقائق وآيات الحقوق) حيث تستدعى الآيات التي تتناول العقائد والحقائق كذريعة ليهدم بها الحقوق وهنا مكمن الخطر والخطاب المتعصب).
يتم استحضار النص الديني دائما لفرض رؤية سياسية ما تحول دون دمج حقيقي للمكونات الأخرى المختلفة، الديني منها بالخصوص، كيف يمكن التوفيق بين هذا وذاك؟
كل الأمم والشعوب والجماعات البشرية سواء المتقدمة منها والمتخلفة تحيا وتتغذي علي أفكار مركزية مقدسة تسمى الميا أيدلوجي (ما وراء الأيدلوجية )، وهذه قد يكون مصدرها الدين أو العرف أو المخزون الحضاري العميق، هذه الأفكار مركزية عميقة تنبع منها تصورات الشعوب والأمم لنفسها وللآخرين، فأوروبا على سبيل المثال تتغذي في أفكارها الكبري علي المزيج الفكري بين حضارة الإغريق وحضارة الرومان، ثم أفكار عصر النهضة، ثم الحداثة، وهكذا الحضارة الإسلامية الأفكار المركزية عندها هي نابعة من تعاليم الدين الإسلامي.
في النهاية ليس عيباً أن تستقي أفكارك وفلسفة الحياة من النص الديني ولكن بما لا يغتال المستقبل فالمشكلة ليست في الأديان، وإنما المشكلة في تدين الناس الذين يرغبون في فرض تدينهم وتصوراتهم على تصورات مخالفيهم، وبالتالي أي خروج عن تدينهم يعتبرونه خروج عن الدين، فالدين دائما ليس له قراءة واحدة وهذا من رحمة الله علي الناس، فالفقة الإسلامي يشهد بذلك فالمدرسة الفقيهة المصرية بقيادة الإمام الليث بن سعد، تختلف عن مدرسة الإمام أم بن حنبل في منطقة الحجاز، تختلف عن مدرسة أهل الرأي في العراق.
التوفيق بين الرؤية الدينية واستقرار المجتمع أمر ممكن وحققته العديد من الشعوب عبر الحفر المعرفي ودراسة فلسفة الدين ومراعاه سنن الله الكونية في بناء المجتمعات والدول، ومن الجميل أن نذكر هنا أن النص القرآني قدم وحدة المجتمعات علي التوحيد في بعض المواطن ومنها قصة سيدنا هارون مع أخيه موسي علية الصلاة والسلام.( قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا.ألا تتبعن أفعصيت أمري. قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي)، كما قدم القرآن المكي إقامة العدل علي التوحيد (قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين) سورة الأعراف. إننا نحتاج إلي إعادة قراءة النص الديني في ضوء حاجات البشرية في القرن الواحد والعشرين، وأظن أن الأديان لن تبخل علينا بجديد يجمع البشرية علي الوئام.
هل يقف التنوع الطائفي والعرقي والمذهبي عائق أمام قيام دولة أو مجتمع مستقر؟
التنوع والإختلاف في ذاته آية كونية من آيات الله في الكون والنفس، ولا يمكن محوها وإلغاءها ولكن وجودها في مجتمع من المجتمعات يحتاج إلي عقول مفكرة، وصدور متسعة، وآليات عمل تحول التنوع إلي ثراء وليس إلي عداء وتنازع وعداء.
تجاوزت إمريكا هذه الإشكالية وفيهما تنوع لغوي وقومي كبيرين، ما عوامل نجاح تجربتها في هذا الخصوص؟
المجتمع الأمريكي متنوع الأطياف والأالوان والثقافات ويفتخر بهذا، ومن عوامل نجاح النموذج الأمريكي هو أن الآباء المؤسسين للمشروع الأمريكي (الحلم الأمريكي كما يقولون) كانوا هاربين من أتون الحروب الطائفية القاتلة في الساحة الأوربية فتعلموا الدرس وهو أن لا يسمحوا لأنفسهم ولا لغيرهم بالإقصاء والتهميش، وأدركوا أن الكرامة الإنسانية واحترام حقوق البشر بغض النظر عن الدين والعرق واللغة والجنس هو مفتاح بناء دولة قوية وعادلة، فكما قالوا أمريكا بنيت بالفلسفة، وأوربا بينت بالتاريخ؛ وهذا لايعني أن الحلم الأمريكي لم يتعثر في محطات كثيرة مثل التمييز بين السود والبيض، ولكنه أثبت قدرة علي الإبحار نحو المستقبل وتجاوز آلام الماضي.
هناك نموذج آخر لكن هذة المرة في مساحتنا، وهو النموذج الماليزي، برأيك كيف حولت ماليزيا هذا التنوع المجتمعي داخلها ما بين الأعراق والأديان والمذاهب المختلفة لحالة دمج أعطت نموذجا جيدا سابقا على غيرها في المناطق الأخرى الإسلامية التي تشهد حالة نقاء عرقي وديني لكنها تشد حالة رخاوة شديدة على مستوى الدولة والمجتمع مثل الصومال مثلاً؟
النموذج الماليزي ملهم للعديد من الشعوب في إدارة التنوع والإختلاف فالمجتمع الماليزي يتكون من عرقية صينية تمثل طبقة ثرية من رجال المال والأعمال وتقدر بنحو 35% من حجم السكان، ويتكون أيضا من شريحة من الهنود وتقدر بنحو 10% يهيمون علي قطاع الخدمات، وأغلبية من الملايو يقدرون 50% من عدد السكان كانوا يعملون بزراعة الأرز في الحقول وتنتشر فيهم الأمية والجهل، وبسبب هذا التنوع وعدم المساواة الإجتماعية وقعت حروب أهلية داخلية قتل فيها الآلاف في عام 1961، لكن النخبة الماليزية تعملت الدرس وقررت عدم تكرار أخطاء الماضي وقرورا الحوار وسماع الآخر، والعمل علي دعم المشترك الحضاري بين الهنود والصيين والملايو ونجحوا في عمل مناهج تعليمية رائعة تجمع بين تعاليم محمد صلي الله علية وسلم وتعاليم بوذا المقدر عند الكثير من الصيين والهنود، وففروا مظلة للعدالة الإجتماعية تشمل الجميع وغيرها من الإجراءات التي ساعدت في لم الشمل الماليزي تحت شعار المحافظة على القيم الأسيوية التي تقدر الأسرة والعمل والسلام.
أما الفشل الصومالي في ملف إدارة التنوع والإختلاف علي الرغم من أن كل الصوماليين مسلمين وليس كذلك وحسب بل معظمهم يتعبدون لله علي المذهب الشافعي وعرقهم واحد، ويعيشون تقربيا في نفس المستوى الاقتصادي، ولكن هناك تعثر في إدارة ملف التنوع والأختلاف لعدة عوامل منها ماهو خارجي وخاص بصراع القوى الدولية علي الصومال لأهمية موقعا الجغرافي، ومنها ماهو داخلي وهذا هو الأهم والسبب الرئيس في ذلك هو اعتبار فصيل من فصائل الشعب الصومالي أن تدينه هو الدين وبالتالي أي فرد خارج عن تدين هذا الفيصل فهو إلي الكفر أقرب، وامتد هذا الخط وأصبح له حمولة سياسية كبيرة فأصبح التدين حاكم وهو زواية النظر للآخرين فأصبح الآخر المخالف لهذا النمط من التدين أما كفار أو مبتدع أو فاسق، وهذه أحكام كافية لقصم الظهور وتقطيع الروؤس وشرذمة المجتمعات والأمم .
هنا يرى البعض أهمية أن تكون أنظمة الحكم “علمانية” خصوصا للبلاد التي تشهد حالة فسيسفاء دينية وعرقية وطائفية كالعراق مثلا، كي تصبح الدولة على مسافة واحدة من كل مواطنيها، وبحيث لا نشهد هذا النزاع الذي شهدته العراق بعد الاحتلال ولا تزال تشهده حتى الآن؟
المشهد القائم في العراق الآن من حيث التعصب الطائفي لا يرجع في الإساس إلي طبيعة نظام الدولة اسلامية أو علمانية وانما يرجع للأفكار الضارة في الروؤس العراقية عند متعصبي السنة ومتطرفي الشيعة، فقد شهد العراق تاريخيا تعصبا طائفيا في ظل الدولة العباسية، وأيضا شهد إحتقانا داخليا في ظل الدولة القومية تحت قيادة حزب البعث؛ واعتقد حتي لو قامت دولة علمانية علي النمط الفرنسي سيشهد العراق أيضا نزاعا طائفياً طالما لم تعالج الأفكار الإنقسامية الكبري الدينية والتاريخية في العقل الجمعي العراقي وشكل الدولة، بعد ذلك لن يكون مشكلة إذا قررت المكونات الاجتماعية العراقية أن تعيش وفق قيم المساواة والعدالة والكرامة الإنسانية فكما، يقول المثل الصيني ليس المهم لون اللقطة المهم أن تصطاد الفئران
في مصر حالة احتقان غير مبررة ضد الشيعة، حتى أن د. العوا أحد أهم أسباب رفضه هو قربه من إيران والشيعة، برأيك لماذا اهذا لاحتقان؟ وهل هو مبرر؟
أعتقد أن حالة الإحتقان الموجودة في مصر تجاه الشيعة ترجع في المقام الأول إلي التواصل الثقافي والإجتماعي الحاصل بين الشعوب الخليجية والشعب المصري وذلك عبر العمالة المصرية في الخليج؛ حيث تقدر بعض الإحصائيات أن قرابة ربع الشعب المصري منذ السبيعنيات حتي الآن قد مر بتجربة السفر للعمل في الخليج. وهذا يؤثر اجتماعيا بشكل كبير في ظل هيمنة الخطاب الديني المتشنج تجاه بعض المكونات الإجتماعية في الخليج.
نفس حالة الاحتقان موجودة بالخليج وعمقه الديني تغلب عليه النزعة السلفية المتشددة، لكن المفارقة أن الخليج لا يجد نفس الأزمة مع الغرب، وأمريكا بالخصوص؟
يحكي زميلي د.محمد مختار الشنقيطي أنه ذهب لإلقاء محاضرة في أحد الكنائس في أمريكا، وتكلم عن القيم المشتركة بين محمد صلي الله علية وسلم وسيدنا عيسي علية السلام، فقامت له إمراة من الحضور وقالت له طالما هناك مشتركات كبيرة بهذا الحجم بين الإسلام والمسيحية فماذا كل هذا العداء الشديد الحاصل في بعض المناطق بينهما فقال لها غالباً ما تحصل المشاكل بين الأقارب والجيران، فوجود المخالف لك في الإعتقاد والأفكار في الشارع الذي أنت فية يفرض عليك تحدياً مختلفاً عن المخالف الذي يكون خلف الأفق وبعيداً عن الاحتكاك اليومي.
صور التاريخ دائما ما تستدعي لاغتيال توافق وطني أو مجتمعي ما، كحوادث ( الوزير ابن العلقمي الشيعي ودوره في دخول التتار العراق- حادثة المعلم يعقوب ودعمه للحملة الفرنسية. كيف يمكن التعامل مع التاريخ بهذا الشكل؟
هذا سؤال مهم ومركزي فالتاريخ والتعاطي معه سلاح ذو حدين أما أن يكون رافعة للمستقبل أو عقبة في طريق المستقبل!! فهل التاريخ يعتبر دافع للتقدم أم عقبة في طريق النهوض ؟؟.
التاريخ والجغرافيا والعلوم الإنسانية و الطبيعة كلها مكتسبات بشرية هامة ومفيدة ولكن مدى الاستفادة منها وأثرها علي المستقبل والحضارة وغير ذلك يتمحور في طبيعة علاقتنا بها، فالأمم التي تضبط منظومتها الحضارية والثقافية والاجتماعية وتنتقي من الأدوات والعلوم والمعارف ما يناسبها ويساعدها علي النهوض سيكتب لها النجاح والازدهار والعكس صحيح. هذا السؤال كيف نجعل علاقتنا بالتاريخ تخدم المستقبل ؟؟ فمن أجل رسم لوحة مستقبلية جميلة لابد من استخدام ريشة التاريخ بأساليب مبدعة عبر الأساليب التالية :
الأسلوب الأول: أن نتواصل مع المحطات الذهبية في التاريخ، فنطرح مستقبلنا في إطار أنه امتداد للمحطات الذهبية المشرقة في تاريخنا القديم والمعاصر، وهذا جانب مهم وملهم وحافز للأجيال الصاعدة ولكن إذا توافرت معه رؤية حقيقة للنهوض بالحاضر والمستقبل، وتحصلنا علي مكتسبات صلبه في الواقع وإلا تحول هذا التواصل التاريخي إلى مغارة للهروب من التحديات وأسئلة المستقبل. وقد عبر الفيلسوف الألماني نتشه عن أولئك القوم الذين يفتخرون بمنجزات الآباء دون أن يقدمو للبشرية شيئاً بقوله الذين يقعون في أسر التاريخ يولدون وشعرهم أبيض.
الأسلوب الثاني : أن نقطع علاقتنا بالمحطات السوداء في التاريخ، بمعنى عند تحركنا نحو المستقبل من الضروري أن نبتعد عن المحطات السوداء في تاريخنا والتي تحتوي علي الألم والقهر وأخلاقيات التخلف، فالثورة الفرنسية قامت علي فلسفة القطيعة مع التاريخ الدامي للحروب الطائفية التي دامت قرابة مائة سنة بين طوائف المجتمع الفرنسي وكانت حروب مروعة وبشعة، وكذلك يفعل الألمان مع تاريخ الحقبة الهتلرية، وهو ما يحاول الروس فعله الآن مع تاريخ الحقبة الشيوعية، ففلسفة هذه الطريقة قائمة علي أن استدعاء المحطات السوداء سوف يقسم المجتمعات ويفرز أشكال جديدة من الكراهية والخصام بين مكونات المجتمع الواحد.القاسم المشترك بين هذه الأساليب هو عدم السماح للتاريخ أن يغتال مستقبل الأجيال وأن علاقة التاريخ بالحاضر لا تنحصر في أسلوب واحد هو الميراث الإجباري وإنما يمكن أن تخضع للعديد من العلاقات والأساليب بما يخدم المستقبل
كيف ترى ملف “التنوع” في ظل الربيع العربي؟
العديد من بلدان العالم العربي تشهد لحظة إقلاع حضاري نحو فضاء الحرية والمساواة والكرامة فيما بات يُعرف بالربيع العربي؛ لذلك فهى تتعرض لحملة منظمة ومتواصلة تحض على الكراهية والتعصب بين مكوناتها الاجتماعية من أجل تعويق مسيرة الربيع العربي ووقف حركة تمددها الجغرافي، ولعل ما وقع فى مصر من أحداث طائفية بعد الثورة وما تشهده سوريا من محاولة نظام الأسد الغاشم جر المجتمع السوري نحو أتون الحرب الأهلية يؤكد هذه الفرضية. ونحن كشعوب عربية تتوق للحرية والعدالة والمساواة يتوجب علينا التعامل مع هذا التحدي-الفرقة والانقسام ونشر ثقافة الكراهية -برؤية إستراتيجية وأساليب كفؤة قادرة على تفكيك خطاب الانقسام والطائفية والتعصب.
لذا ينبغي على الحركات الثورية ومؤسسات المجتمع المدني وغيرها من قوي المجتمع العربي سرعة إطفاء الحرائق الانقسامية والطائفية والمذهبية وغيرها من الأزمات القائمة على التحريض والكراهية التي تنفجر فى فضاء المرحلة الانتقالية
أيضا المجتمعات العربية فى مسيس الحاجة إلى أنظمة أمان تقيها شر اندلاع الحروب الأهلية والنزاعات الداخلية ويمكن أن يتحقق ذلك عبر إنتاج مناهج تعليمية تحض على قيم التسامح وقبول الأخر، وعبر فن راق يترفع عن الشحن الطائفي والمذهبي، وعبر برامج ميدانية شبابية تجمع أبناء الوطن دون تمييز على أساس الدين أو العرق أو المذهب، أو اللغة.
كماينبغي على الحركات والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني فى بلدان الربيع العربي أن تتعامل مع بعضها بفلسفة الجماعة الوطنية ذات المصير والهدف الواحد وليس بمنطق الأغلبية والأقلية السياسية الضيق القائم على اقتسام الغنائم، وعدد المقاعد النيابية والقوى التصويتية، وهنا يقع عبء كبير على الأغلبية سواء كانت اجتماعية أو السياسية في احتضان الأقليات وتطمئنها وأحيانا التنازل عن بعض مكتسباتها فى سبيل الحفاظ على وحدة وتماسك الجماعة الوطنية، فالمراحل الانتقالية فى حياة المجتمعات تدار بالتوافق والتراضي وليس بمنطق الضربة القاضية ولمس الأكتاف والصراع الانتخابي الضيق .
النقطة الأخيرة هي في إستراتيجية بناء الجسور لا بناء القلاع، حيث نلاحظ بناء القلاع والحصون بين الكيانات الاجتماعية والسياسية وعزلها عن بعضها البعض كان ومازال من أبرز أساليب الطغاة، فقلما تجد مؤسسة مدنية عربية تجمع أفراداً من الشيعة والسنة فى الخليج، أو من المسلمين والمسيحيين في مصر أو من اليساريين والإسلاميين فى الجزائر؛ لذلك ينبغي على القوى الثورية أن تطلق مئات المؤسسات المدنية والأحزاب والمبادرات القائمة على بناء الجسور بين كل المكونات الاجتماعية والسياسية والثقافية في الوطن.
ما الدور الذي يلعبه مركز “التنوع” في هذا الإطار؟
يسعى مركز التنوع للدراسات والاستشارات إلى الحفاظ على النسيج الاجتماعي للشعوب وتجنب الانزلاق في جحيم الحروب الأهلية من خلال فلسفة عمل تقوم علي تفكيك الأفكار الطائفية القاتلة، ونشر الأفكار العالمة المنفتحة على المستقبل القائمة علي قيم الكرامة الإنسانية والمساواة والعدل، النقطة الثانية هو ضبط عالم المشاعر والوجدان عبر بناء ذاكرة تاريخية جديدة قائمة علي تعدد الأبعاد وعدم تنميط الأخر المخالف، من أجل تتجاوز إخفاقات الماضي والتطلع نحو المستقبل. وعمليا وعلى الأرض يدم مركز”التنوع” تفعيل عالم المشاريع الاجتماعية والرسمية التي تهدف إلي نشر قيم المواطنة والمساواة والعدالة.
إجمالاً يسعي التنوع الي المساهمة في تشكيل تيار ثقافي مستنير داخل الأمة مناهض للفتنة والانقسام، تيار يقر بفضائل التعدد والاختلاف وحتى التعارض والتدافع، ولكن يرفض الفتنة والفُرقة والشقاق رفضاً جذريا حاسماً ويؤثم كل داعية للفتن كائنا ما كان مذهبه الفكري أو السياسي أو الديني، وتنحصر أهداف التنوع الكبري في
أولا: تعزيز مبدأ التفاهم والتعارف بين الشعوب العربية.
ثانياً: معالجة الأفكار النمطية الخاطئة حول قضايا التنوع الطائفي والعرقي فى المنطقة العربية والإسلامية.
ثالثاً: المساهمة في فض النزاعات الداخلية في البلدان العربية
.

عرض مقالات ذات صلة
Load More By ياسر الغرباوي
Load More In صدى الأحداث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

بامكانك الاطلاع على

لقاء مع المفكر المصري الباحث والمهتم بقضايا بناء السلام والمصالحة المجتمعية

يحاوره د.عبد الله مشنون  يُعد الأستاذ ياسر الغرباوي أحد المفكرين المصريين البارزين عل…