الرئيسية تقارير ومقالات التاريخ يعيد نفسه : ( أجورا ) الإسكندرية أم كنيسة القديسين .؟!!

التاريخ يعيد نفسه : ( أجورا ) الإسكندرية أم كنيسة القديسين .؟!!

4 ثانية
0
0
1,146


*التاريخ يعيد نفسه :  ( أجورا ) الإسكندرية أم كنيسة القديسين .؟!!

– هبة الحسينى **

هيباتيا ..إعدام صوت العقل
هيباتيا ..إعدام صوت العقل


( بعد كل هذه السنوات كنت أظن أننا تغيرنا )..هذه الكلمات التى وردت فى أحد مشاهد الفيلم الاسبانى أجورا تلخص ما نعانيه من تعصب دينى فى عالمنا المعاصر فالبرغم من أن أحداث الفيلم تدور فى عام 391 قبل الميلاد إلا أننا بنظرة سريعة على أى شريط للأخبار نستطيع أن نقول أننا بعد ما يقرب  من ألفي عام لم تتغير البشريه بعد، بل وبالتحديد فى ليلة رأس السنة ويعيد التاريخ نفسه بحادثة فى قلب الاسكندرية لا تختلف كثيرا عن الأحداث التي يرويها فيلم ( أجورا) والذي عُرض في مؤسسة بكرة للإنتاج الإعلامي والدراسات الحقوقية في إطار برنامج حفلة 6 وهي عروض سينمائية خاصة بأفلام حقوق الإنسان ..

هذه المرة كانت أجورا الاسكندرية ليست أمام مكتبة الاسكندرية القديمة والتى تحولت من ساحة فلسفية فكرية إلى حلقة دموية من القتل والتخريب بسبب التعصب بل كانت فى أيامنا هذه الشارع الممتد أمام كنيسة القديسين، والذي لم يختلف المشي فيه كثيرا عن ماحدث منذ ألفي عام .. نفس المدينة .. نفس البشر .. نفس المرض الأزلي ( رفض الأخر )..!!


أجورا

تساءل البعض عن معنى كلمة ( أجورا ).. بعض القواميس تشير إليها بسوق أثينا القديم أو الساحة المستديرة التى كان يجتمع فيها الفلاسفة والمفكرين فى العواصم القديمة كالاسكندرية وأثينا، ولتسمية الفيلم مغزى،  فطالما نحن نقف جميعا فى الدائرة ومركزنا هو العقل نتناقش ونتحاور سنجد نقطة فى مركز الدائرة تجمعنا، وهذا بالضبط ما كان يحدث في أجورا الاسكندرية حيث كانت الفيلسوفة القديمة ( هيباتيا) بطلة الفيلم تجمع تلاميذها، لكن عندما تحولت الساحة الدائرية إلى خطوط مستقيمة موجهه بتعصب تجاه الأخر فلن تتفق أبداً، إذ أن الخطوط المستقيمة ابداً لا تتلاقى، وينتج عنها تغليب وجهات النظر الحدية الفردية، على حساب وجهات لنظر المتلاقية المتعاونة الناتجة من ثمار الجميع، فالتعددية والتنوع  الناتجة من الاختلاف البشري والفكري والذي هو في حقيقته ثراء ومعلم كوني، الشكل الأقرب إلى بلورته والترميز له هو الدائرة المجمعة.

منع الفيلم


يُذكر أن هذا الفيلم كان ممنوعاً من العرض قبل وقت سابق فى مصر، وذلك لأن البعض إتهمه بالإساءة للديانة المسيحية،

أجورا ..وعاظ الموت
أجورا ..وعاظ الموت

وهناك أسباب أخرى هوجم الفيلم من أجلها منها أن مخرج ومؤلف الفيلم الإسبانى من أصول تشيلية( ألخاندرو أمينابار)  له أعمال سابقة مثل Vanilla Sky. و the others  تقوم بالتنظير  بوضوح للفكر الوجودى وتنقد الدين عامة والمسيحية  بصفة خاصة، ربما لهذا السبب كان هناك هجوم مسبق على فيلمه أجورا، إلا أن هذا الفيلم تخلى فيه الخياندرو عن نقده الصريح للأديان وركز أكثر على فكرة نقد التعصب  بشكل عام، لكنه لم يتخلى عن تنظيره للفكر الوجودى إذ إختار أن يحكى عن قصة الفيلسوفة المصرية هيباتيا –التي عاشت وماتت في مدينة الاسكندرية- والتى لا يوجد أى مصدر تاريخى يؤكد دينها ولكنها عُرفت بدفاعها عن الفلسفه والتساؤل ومعارضتها للإيمان المجرد.

ويحكى الفيلم عن حقبة زمنية من أكثر الحقب إهمالاً فى التاريخ أو على الأقل التاريخ الموجه الذى يلقنوه للدارسين فى مراحل التعليم، إذ دائماً ما يتوقف بنا الكتاب المدرسي عند حقبة ظهور الديانة المسيحية وكيف كان الرومان يضطهدون كل من يدخل فيها مروراً بقصة أهل الكهف الى أن نصل الى انتشار المسيحية وسوادها فى عصور لاحقة، لكن قلما ماتجد أحد يتحدث عن الفترة التى مارست فيها الأغلبية المسيحية فى الاسكندرية نفس أنواع الإضطهاد الذى مورس عليهم من قبل ولكن هذه المرة إنعكست الآية والضحية كانت هي الأقلية من الفلاسفه والأفراد الذين ظلوا مقتنعين بالمعتقدات الرومانية القديمة، وهذا يلخص لنا الفكرة الرئيسية التى طرحها الفيلم وهي الأتي :

السؤال طريق للإيمان

المشكله ليست هى أي دين تعتنقه ولا هي محاولة إثبات صحة معتقد على حساب آخر، وإنما هى مشكلة مبدأ ” السؤال والبحث “، وهو ماجاء على لسان بطلة الفيلم( راشيل وايز) التى تجسد دور هيباتيا عندما قالت للقسيس  :” المسألة ليست ما تؤمن أنت به، وما أؤمن أنا به، المشكلة أنك لا تسأل عما تؤمن به، ولذلك أنا أُحاكم”، هذا القسيس كان يوما من تلامذتها، وكانت تحميه من سخرية الآخرين منه قديماً لكونه مسيحي .

بجملة (هيباتيا ) الأخيرة لخص المخرج حل القضية فطالما أن مبدأ المساءلة والمحاكمة على أساس المعتقد الديني أو الأيدلوجي موجود سنظل ندور فى حلقة مفرغة عبر التاريخ تتغير فيها الأغلبية يوماً وتصبح أقلية أو العكس لكن فى النهاية تظل الطائفية  سيدة الموقف،  ويتأجج هذا الصراع أكثر عندما يتحالف رجال الدين مع رجال السلطة وهو الأمر الذي يعرضه المخرج كآفه أخرى لازلت مسيطرة على مجتمعاتنا المعاصرة ولم تتغير مع تقدم البشرية، فلا يزال بعض رجال الدين يستخدمون العامة ويحركونهم ليس غيرة على الدين ولا فى صالحه وإنما ولاءاً للسلطة ولمصلحتها،  فعندما يأمر رجال الدين بقتل (هيباتيا ) يقنعون العامة أنها إمرأة ساحرة كافرة تسيطر على عقل الأمبراطور،  والحقيقة أنهم هم من يريدون أن يسيطروا على عقول العامة ويلغون تفكيرهم ويقضون على أى إتجاه عقلاني وفلسفي معارض لهم،  ويحدث هذا بالفعل مع   ( دافيوس) وهو عبد كانت تملكه هيباتيا ولكنه كان شديد الذكاء كان يفكر معها فى نظريات الفلك التى كانت تعمل عليها بل وأعطاها مفتاح نظريتها حول دوران الأرض حول الشمس، إلا أنه تمرد على المعتقدات الوثنية وإختار أن يكون مسيحياً- وهو أمر حسن طالما كان اختياره ومعتقده الشخصي-  لكن الأمر الذي ينقده الفيلم هو عندما تنتهك إنسانية ( دافيوس ) فيتحول إلى مجرد فرد فى قطيع يحركه رجال الدين بعنصرية،  عندما يلغي عقله تماماً ولا يفرق بين طاعته للدين وطاعته لرجال الدين،  نفس الجدل الازلى الذى يؤرقنا جميعا اليوم .. هل هذه أوامر الله أم أوامر بشر، هم فسروا كلام الله على حسب ما يناسب مصلحتهم الخاصة.

ــــــــــــــــــ

*نقلاً عن موقع الوسط

**مخرجة وناقدة فنية


عرض مقالات ذات صلة
Load More By ياسر الغرباوي
Load More In تقارير ومقالات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

بامكانك الاطلاع على

لقاء مع المفكر المصري الباحث والمهتم بقضايا بناء السلام والمصالحة المجتمعية

يحاوره د.عبد الله مشنون  يُعد الأستاذ ياسر الغرباوي أحد المفكرين المصريين البارزين عل…