الرئيسية تقارير ومقالات أعداء الحوار أسباب اللاتسامح ومظاهره (2-2)

أعداء الحوار أسباب اللاتسامح ومظاهره (2-2)

2 ثانية
0
0
1,271

أعداء الحوار أسباب اللاتسامح ومظاهره (2-2)

كتب-عبدالوهاب عيسى

غلاف كتاب أعداء الحوار
غلاف كتاب أعداء الحوار

في الجزء الثاني من كتاب “أعداء الحوار أسباب اللاتسامح ومظاهره” للسفير الإيطالي مايكل أنجلو ياكوبوتشى، خصصه المؤلف لمظاهر اللاتسامح الثقافي, والسياسي, والايديولوجي, وذلك بعد أن تناول باستفاضة في الجزء الأول أسباب رفض الحوار أو اللاتسامح الديني ومظاهره وقد عرضناه سابقا.

وكان سبب اللاتسامح الثقافي والسياسي والأيدولوجي في نظر المؤلف, هو اليقين المطلق لحقيقة واحدة تأتي من الآباء، أو تأتي من عند الرئيس أو تأتي من العقل.

وقد بدأ الحديث عن اللاتسامح الثقافي بعنوان “الخوف من الأجنبي” صدره بسؤال هل يمكن قتل أي شخص لأنه مختلف؟

وأجاب: “إن منظومة القيم والمعتقدت التي نسميها ثقافة, صارت تقدم نوعا من اليقين المطلق كما اليقين الديني, فهناك شعوب بكاملها تقوم من منطلق ثقافتها بعمليات انتقامية، وثأرية دموية لا نهاية لها، وأناس تُقدم حياتها أو تضحي بحياة من تحبهم لإرضاء هذه الثقافة”

فإن شعور الإنسان بالانتساب إلى جماعة يقوي هوية الفرد، ويزيد رد الفعل الدفاعي للمجموعة ضد أي آخر، لذا فالخوف من الأجنبي هو خوف من فقدان الهوية في المقام الأول، حيث لايستغني الفرد عن المجموعة التي يعتبرها دعامة لهويته العاجزة. من أجل ذلك فإن أي تنازل أو تسامح نحو معتقداته وتصرفاته، ينطوي على مخاطرة بتدمير قناعاتنا وعاداتنا. فالأخر هو تهديد مهما كانت نيته لمجرد أنه موجود.

ثم أوضح المؤلف كيف أن أفكارا مطروحة بقوة كصراع الحضارات، والصراع مع العولمة، يدخل في صلبها فكرة التسامح واللاتسامح الثقافي، فالمتحمسين للعولمة مقتنعون أن نية التنازل عن الثقافات القديمة هو ثمن معقول يجب دفعه في مقابل المساواة والديمقراطية ورفاهية الجميع. بينما يرى من هم ضد العولمة أنه يجب علينا أن نتنبه جيدا حتى لا نهدم بسهولة وطيش، ما لايمكن إعادة بنائه. ثم استعرض كعادته في توكيد آراءه الأدلة على اللاتسامح العرقي على مدار التاريخ .

ثم تحدث عن أهم أمثلة اللاتسامح العرقي في حياتنا، ومنها التطهير العرقي في البوسنة ومعادة السامية.

ثم كان الجزء الثالث والذي كان عن اللاتسامح السياسي ليقين المستمد من القائد. بدأه المؤلف بالإجابة عن سؤال لماذا تخصيص جزءا منفصلا لعدم التسامح السياسي؟

وأجاب: “لأنه مع تعقد المجتمع باتت الهياكل الأبوية تبدو أقل ملاءمة لتأمين التلاحم واستمرار الترابط الاجتماعي. فحلت محلها سلطة القائد الذي ينُظر إليه من قبل أعضاء الجماعة والقبيلة والدولة، كمرجعية ضرورية جداً لتحقيق هدف الحفاظ على النظام والسلام الداخلي. بحيث يتعين دعمها وتقديسها وإضفاء التكليف الإلهي عليها”.

ثم تحدث عن صور من اللاتسامح السياسي عبر التاريخ.

وبعد عرضه للعصر الحديث قال” فإذا كان جوهر التسامح هو ثقافة الإحترام تجاه من له رأي غير رأينا، فإن الديمقراطية هي تجسيد للتسامح على الصعيد السياسي

لأنها تقوم على احترام الخيارات التي تقوم بها الأغلبية”.

واستدرك قائلا: “إلا أنها رغم كل مميزاتها لها عيوبها أيضا، فالدولة الديمقراطية الحديثة تميل إلى حماية الفرد في حد ذاته، وتنتهي بأن تضع في المرتبة الثانية حقوق الأقلية. بل والأسوء من ذلك أن الاهتمام بحماية الانسان وحقوقه في حالات كثيرة يتضح أنه ذريعة للتملص من عبء حماية الهوية الخاصة بإحدى الأقليات”

وهذا التعارض بين التسامح إزاء الفرد والتسامح إزاء الجماعة يتعين أن يصبح أشد قوة مع العولمة، على الأقل من الناحية النظرية والمنطقية.

وفي الجزء الرابع والأخير من الكتاب تناول المؤلف اللاتسامح المذهبي باليقين المستمد من العقل, فالكل لم يستطع الهروب من صفة اللاتسامح حتى الدول التي تعد نفسها متقدمة وديمقراطية ومتسامحة.

حيث يرى المؤلف أن اللاتسامح في العصر الحديث مصدره أبعد مصدر يمكن تخيله وهو الإيمان بالعقل.

فالإيمان الشديد بالعقل أصابه بالكبرياء، والغرور، حتى حين “انتشى الإنسان العاقل بقدرته اكتشاف الله كدليل جديد على وحدانيته في الخلق، بات يشعر الآن بأنه قوي بما فيه الكفاية لإنكاره، بل ذهب لأبعد من ذلك فأعتقد أن بوسعة الاستغناء عن الله واعتباره اختراع من اختراعه، وصار يقنع نفسه بأنه سيكون إلها، يستطيع ليس فقط تحويل المادة ولكن خلقها، وأن يكتشف الكون بأسره ويهزم الموت.

“وقد توقعت الأساطير القديمة هذا التطور الأقصى وحذرت الجميع من خطيئة الكبرياء”.

وتحت عنوان الغطرسة العلمية – الكنولوجية قال” لم يعد دافع هذه الغطرسة مذموما كلعنة، ولكنه يعرض كوسام استحقاق، إنه العقل الذي يمجد إلى أقصى درجة. فقد صار بفضل العلم يمكن التحرر من كل القيود، فقد أصبح العلم مصدر النبوءات، والمعجزات، والوعود بالتحرر، والسعادة، ويقدم الآن ادعاءه بالحقيقة المطلقة في منافسة للديانات، ومع التكنولوجيا الخادمة له يجعل من التجاوز البراجماتي للحدود أحد أهدافه الصريحة”.

“لقد صار تمجيد الغطرسة العلمية يأخذ صورا عديدة ومظاهر ملموسة في المجال الفلسفي البحت والاجتماعي والاقتصادي والسياسي وحتى في مجال علم النفس نفسه”

ثم تحدث عن شكلين آخرين وأخيرين من اللاتسامح القائم على العقل متمثلا في لاتسامح الأنظمة الشمولية المستمدة من إيديولوجيا عقلية ، ولاتسامح العنصرية الذي توهم أن لون البشرة أو شكل الجمجمة سر التميز أو الانحطاط للجماعات البشرية.

أما الأنظمة الشمولية والتي سماها حركات التعصب بدون إله فقد مثَّل لها بالفاشية، والنازية، والشيوعية السوفيتية، فهي شكلا من أشكال ديكتاتورية العقل عنصرها الرئيسي هو “الإيدولوجية “فقد كان التنظيم الشمولي للجماهير التائهة بعد الحرب العالمية الأولى وسيلة لوصف أنفسهم وتحديد هوياتهم من خلال الطاعة أو الخضوع الشامل كهدف في حد ذاته مما أدى إلى هذيان جماعي انتهى بجنون مدمر وربما نشأت هكذا ديانة دنيوية”

“فالزعيم الشمولي يستخدم السلطة لتحقيق فكرة تمجيده بخلاف الطاغية الذي يكون مشغول فقط بالحفاظ على لسلطة”.

ثم كان الفصل الأخير من الكتاب وهو عن العنصرية، حيث يرى أنها المرحلة الأخيرة لنمو الفكر غير المتسامح

وجوهر العنصرية “هو الاقتناع عن حسن نية بأن مختلف الأجناس البشرية، قد طورت حضارات متقدمة لا على أساس ظروف تاريخية معينة، ولكن بسبب تركيب نفسي جسماني معين”.

“فليس العنصري من يفكر أن دول إفريقيا السوداء أكثر تخلفا من أوربا ولكن العنصري من يعتبر هذا الموقف غير قابل للتغيير”.

وأضاف ” إن فكرة الأجناس التقليدية لم تعد تعني الكثير بالنسبة إلى علماء الأحياء المعاصرين، فقد ثبت أن الاختلافات بين البشر هي فقط بيولوجيا وراثية ينتج عن ذلك أن مختلف تصنيفات الشعوب الإنسانية هي دائما اعتباطية ومصطنعة ولأغراض خاصة”.

“ورغم أنه قد ثبت أن العنصرية أكذوبة علمية إلا أنها لم تمت بل أصبحت أكثر حيوية من أي وقت مضى، وذلك لأنها سلوك عقلي متكبر تجاه الجماعات التي تتصف بخصائص بدنية مختلفة عن خصائصنا , ولا يتعلق الأمر بتأخر إدراك العامة للمتغيرات العلمية”,

 

 

عرض مقالات ذات صلة
Load More By ياسر الغرباوي
Load More In تقارير ومقالات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

بامكانك الاطلاع على

لقاء مع المفكر المصري الباحث والمهتم بقضايا بناء السلام والمصالحة المجتمعية

يحاوره د.عبد الله مشنون  يُعد الأستاذ ياسر الغرباوي أحد المفكرين المصريين البارزين عل…