الرئيسية تقارير ومقالات أوباما يستفز السنة والشيعة

أوباما يستفز السنة والشيعة

4 ثانية
0
0
1,023

أوباما يستفز السنة والشيعة

ياسر الغرباوى

باراك أوباما
باراك أوباما

بينما أقلب عيني في رفوف مكتبتي في صباح يوم الأربعاء الموافق 5/11/2008 باحثا عن العناوين التي تتناول الـمعضل

الطائفي والعرقي في المنطقة العربية والإسلامية وقعت على مجموعة من العناوين مثل حقوق المواطنة والآخر، الحوار المذهبي في السعودية، حقوق غير المسلمين في المجتمع المسلم، وبينما أنا منهمك في هذه العناوين قطع صوت التلفاز حبل أفكاري ليعلن فوز المرشح الديمقراطي باراك حسين أوباما ليكون أول رئيس أسود يدخل البيت الأبيض في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، شعرت حينها بالأسى والضيق.

فالساحة العربية والإسلامية مشغولة بكل أطيافها نخبة وعامة، حتى رجل الشارع المطحون بالأعباء الحياتية اليومية، مهتمة بالسجال السني الشيعي وبالقضايا المذهبية والطائفية، بينما أمم أخرى تخطت هذه العقبات منذ زمن بعيد وقدمت للعالم نماذج راقية في فن التعايش وإدارة التنوع الاجتماعي؛ لأنهم يعتبرون التنوع هو نقطة قوة وليس نقطة ضعف للمجتمع.

فالنموذج الأمريكي قائم -من الناحية النظرية- على أن تعدد أصول الشعب من الناحية الدينية والعرقية واللغوية نقطة قوة للمجتمع الأمريكي؛ لأنها تضخ الدماء الجديدة والشابة في شرايين القلب الأمريكي الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.

فوصول شخص ملون أسود من أصل إفريقي إلى البيت الأبيض يعد أحد تجليات تخطي العقبة العرقية دستوريا، ويمثل علامة بارزة ونقطة مضيئة للجهود التي بذلها الأمريكيون ذوو الأصول الإفريقية من أجل القضاء على التفرقة العنصرية بجميع أشكالها، وهذا لا يعني بالضرورة الدعوة لاستنساخ التجربة الأمريكية في إدارة التنوع، فكل ثقافة يمكنها أن تبدع حلولا وفق رؤيتها الكلية للحياة والحقوق ووفق ثقافتها الخاصة بها.

كم أود أن تستفز نتائج الانتخابات الأمريكية الأخيرة، وما عكسته من نموذج حضاري في إدارة التنوع الاجتماعي في الداخل الأمريكي، السادة العلماء والمراجع والنخب التي شاركت في السجال السني الشيعي نحو إبداع حلول جادة وهادفة لتجاوز هذا النفق الطائفي المظلم الذي يصيب العديد من أبناء المنطقة العربية والإسلامية بالخجل وعدم الافتخار أمام الشعوب والمجتمعات العالمية التي تحلق في رحاب التقدم والرقي والنهضة، فإحدى طرق قياس تقدم الأمم حضاريا هي كيفية تعاملها مع الأقليات التي تعيش على أرضها.

فالعالم يقدر أمة من الأمم عندما تقدم نموذجا حضاريا على أرض الواقع يجسد الأفكار الكبرى، مثل العدالة والحرية والمساواة، ويجعل لها أقداما تمشي بها في دنيا الناس، فلا يعني كون المنطقة العربية والإسلامية أرض الديانات أننا بالضرورة نمتلك أفضل المجتمعات وأعدل النظم الاجتماعية، فالأفكار الكبرى والمبادئ العليا تظل حبيسة الأدراج والكتب ما لم تتجسد في حياة الأمم والشعوب والمجتمعات.

فهناك بالتأكيد بون شاسع بين أمم يتقاتل أبناؤها مع بعضهم البعض ويخون بعضهم بعضا، وأمم أخرى يتنافس أبناؤها في خدمة مبادئها العليا ومصالحها الإستراتيجية.

خطورة الأزمة


ونعني بالأزمة الإثنية في المنطقة العربية جملة المشاكل الناتجة عن الاختلافات الدينية والعرقية واللغوية بين مكونات النسيج الاجتماعي العربي والتي امتدت طولا فانتظم في دوامتها رجل الشارع والطالب والمدرس والطبيب والمربية.

وتعمقت عرضا لتشمل الكثير من النخب والعلماء والمراجع والساسة والحكام، فالكل مشتبك بالملف الطائفي والعرقي بدرجة من الدرجات، والأخطر أن الكل مرشح أن يكون فاعلا في الأزمة إذا وصلت لحد الاقتتال والصدام.

ويرجع ذلك إلى أسباب عديدة، منها كثافة الحشد السلبي على المستوى الفكري والمعنوي والتربوي الذي يبث عبر موجات الأثير وشاشات الفضائيات والصحف عن الطوائف والجماعات العرقية في المنطقة، فتفجر مثل هذا النوع القضايا في أمة من الأمم كفيل بتدمير حاضرها ومستقبلها، والتعامل مع هذه القضية بإستراتيجية تبريد الأزمة عبر بعض المسكنات الإعلامية والصحفية والتغاضي عنها في فترة من الفترات يمثل في وجهة نظري مرحلة هدوء البركان والذي عادة ما يعود ويتفجر من جديد قاذفا الحمم الاجتماعية القاتلة والتي تتجلى في أعلى مظاهرها في شكل الحروب الأهلية الداخلية، فعدم التصدي الجاد للملف الطائفي والعرقي في المنطقة من خلال إبداع الحلول وتفكيك الأفكار القاتلة واستيعاب كامل مكونات النسيج الاجتماعي ربما يقودنا في نهاية المطاف نحو:


الخيار الرواندي


يتألف السكان في كل من رواندا وبوروندي والبالغ عددهم نحو 13 مليون نسمة من ثلاث جماعات عرقية، هي: الهوتو (85%) والتوتسي (14%) والتوا (1%)، وعاشت هذه المجموعات العرقية مع بعضها فترات من السلام الذي بدا أنه مستقر وتغاضت النخب الرواندية الثقافية والسياسية عن طبيعة الخطاب الداخلي السائد في كل قبيلة على حدة، والذي يدفع في اتجاه تخوين الآخر الشريك في الوطن، ووصفه بصفات الخيانة والعمالة والتعاون مع المستعمر، وعند توفر الظروف المناسبة لحدوث الأزمة العرقية انفجر البركان العرقي وقتل في 100 يوم فقط قرابة مليون شخص في هذه الدولة الصغيرة؛ لأن التكوين المعرفي والتربوي الذي تربت عليه الأجيال تجلى في عالم الواقع عبر النزول إلى أرض المعركة بقوة، وكان بمثابة رأس الرمح في وقت تفجر فيه الصراع الدموي بين القبائل.

وما يقع الآن من سجالات في الملف الشيعي السني ونوعية الخطاب الديني والسياسي والتربوي السائد في العديد من محاضن الفريقين إذا لم يتم التعامل معه بمرايا النقد والمراجعة والتمحيص في إطار المصالح الإستراتيجية العليا للأمة ربما يقودنا نحو الخيار الرواندي الدامي الذي ربما لا يقف أثره المدمر عند فوهة البركان، بل ستمتد حممه إلى أقطار إسلامية عديدة.

التغيير المطلوب


على المسار الطولي يتمثل في تثقيف الشرائح الجماهيرية العريضة عبر بناء ثقافة جديدة تحافظ على وحدة النسيج الاجتماعي المكون للأمة وبناء صور ذهنية إيجابية عن الآخر المشارك في الوطن، وهذا يتم عبر العديد من الوسائل التربوية والإعلامية والسياسية، ومن أهمهما المساجد والكنائس والحوز.. إلخ.

وعلى المسار العرضي وهو المسار الأخطر -مسار قادة الرأي العام والنخب والعلماء والمراجع- ينبغي صياغة آليات جديدة وإستراتيجيات فعالة للتواصل الجاد بين النخب والقادة الدينيين من جميع الطوائف والملل والنحل في المنطقة من أجل وضع المعايير والسياسات الضابطة للسلوك عند التعامل مع الاختلافات العرقية والطائفية والدينية بما يضمن عدم وقوع هذه النخب فريسة لأطراف إقليمية ودولية تسعى نحو تفجير النسيج الاجتماعي، فأهمية النخب تكمن في أنهم يشكلون الرأي العام.

ويدخل في مسار النخب الفاعلة المؤثرة في الاختلافات الإثنية الحركات الاجتماعية بجميع أنواعها الثقافية والسياسية ومنظمات المجتمع المدني، ولكن الحركات السياسية الصاعدة في المنطقة تعد من أكثر أنواع الحركات تأثيرا على ملف التنوع الاجتماعي، وخاصة حركات الإسلام السياسي، وذلك لعدة أسباب:

1- الكثير من الدراسات المستقبلية تتوقع وصول بعض حركات الإسلام السياسي في بعض دول المنطقة لسدة السلطة التنفيذية في المستقبل القريب.

2- قدرة هذه الحركات على الحشد والتعبئة الجماهيرية.

3- بعض الساحات السياسية العربية تكاد تخلو من منافسين لحركات الإسلام السياسي.

وهذا يفرض على هذه الحركات أن تقدم رؤيتها في كيفية إدارتها للتنوع العرقي والديني والمذهبي والطائفي في الأمة؛ لأن العديد من مكونات النسيج الوطني في المجتمعات العربية لديها العديد من التساؤلات حول مستقبلهم وحقوقهم في حال وصول هذه الحركات للسلطة، وتعتبر تلك المخاوف واقعية بحكم الضبابية السياسية لهذه الحركات والتي تحتاج إلى معالجة جادة، فهل الحقوق الدستورية للمواطنين عند هذه الحركات تخضع لمبدأ المواطنة أم لرؤى واختيارات فقهية؟ علاوة على أن أدبيات هذه الحركات لا تجيب إجابات واضحة عن أسئلة المستقبل، من حيث إدارة الدولة والحقوق الدستورية وقضايا المرأة والعلاقات الدولية.

فبناء مستقبل مشرق للمنطقة العربية والإسلامية يمر أولا عبر بوابة النجاح في إدارة التنوع الداخلي والحفاظ على وحدة النسيج الاجتماعي بكل أطيافه ومكوناته بعيدا عن التشنج والتوتر، فالانتماء وحب الوطن والحفاظ على الهوية ينمو ويترعرع في ظل مناخ من العدالة والمساواة والكرامة والحرية لكامل مكونات النسيج الوطني

عرض مقالات ذات صلة
Load More By ياسر الغرباوي
Load More In تقارير ومقالات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

بامكانك الاطلاع على

لقاء مع المفكر المصري الباحث والمهتم بقضايا بناء السلام والمصالحة المجتمعية

يحاوره د.عبد الله مشنون  يُعد الأستاذ ياسر الغرباوي أحد المفكرين المصريين البارزين عل…