الرئيسية تقارير ومقالات كيف يحتضن الإسلام غير المسلمين ؟

كيف يحتضن الإسلام غير المسلمين ؟

2 ثانية
1
0
16,243

ياسر الغرباوي

بحكم اهتمامي بقضايا مقاومة الفتنة والإنقسام جاءنى هذا السؤال الهام والعميق من بعض الشباب النابهين وهو “كيف يمكن أن يحتضن الإسلام غير المسلمين وآياته تقول: “ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه”، و يقول” لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم”، و يقول ” لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم”؟ للإجابة على هذا السؤال ينبغي أن نعلم أولاً أن الآيات القرانية التي وردت عند التعاطي مع الأخر المخالف في المعتقد تنقسم إلى ثلاثة أنواع:

الأولى: تعرض العقائد.

الثانية: تثبت الحقائق.

الثالثة: تقرر الحقوق.

 

من خلال هذا التقسيم تكون إجابة السؤال وفق التالي، فالآية التي تقول “ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم” نجدها تقع في الصنف الثاني من الآيات (إثبات الحقائق) وتوضح نوع العلاقة بين اليهود والنصاري والمسلمين من حيث الرضي القلبي والوجداني خاصة في فترة النبي صلى الله عليه وسلم ، والآية الثانية التي تقول (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم) تعرض الصنف الأول من الآيات(عرض العقائد) وهي الخاصة ببيان موقف الإسلام من عقائد وقناعات الأخرين، فهذه الأيات السابقة عرضت لنا بعض الحقائق والعقائد الخاصة بالمخالفين للإسلام من اليهود والنصارى وموقف القرآن منها، فهل معني عرض عقائد الأخرين في نظر الإسلام وعدم رضاهم عن الإسلام كدين مسوغ للعداء والصراع والإقصاء لهم؟.

ولكى تتضح الصورة الكلية لابد من النظر إلى الصنف الثالث في التقسيم والتعرف على فلسفته( آيات الحقوق)؛ فالله سبحانة وتعالي يقول (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين و لم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم و تقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) فهذه الأية تنتمي للصنف الثالث الخاص بحقوق غير المسلمين ، فالنص القرآني هنا أقر وطلب من المؤمنين به مراعاه حقوق المخالفين له في العقائد والحقائق؛إذ أوجب على المسلمين صيانة هذه الحقوق، فلابد أن تصان وتُراعي ولا يُنتقص منها، وأباح أيضا للمسلم أن يكون جد أولاده يهودياً أو مسيحياً، وأن تكون زوجته مسيحية أو يهودية، فلو كانت آيات العقائد والحقائق تعني الصراع والإقصاء والتهميش والإهانة فكيف يبيح للمسلم أن ينشىء أسرة متنوعة الانتماء العقدي؟

ينبغي الاستفادة من تقسيمنا السابق الخاص بتصنيف آيات القرآن في التعاطي مع الأخر (آيات العقائد، آيات الحقائق، آيات الحقوق) في تفكيك التعصب والفكر المتطرف الذى يستند على نظرة جزئية لبعص النصوص المُقدسة

لذلك الخطاب الديني المتشنج ينبع من الخلط المُتعمد بين مساحات الآيات الثلاث (آيات العقائد وآيات الحقائق وآيات الحقوق) حيث يستدعى البعض الآيات التي تتناول العقائد والحقائق كذريعة؛ ليهدم بها الحقوق الإنسانية والكرامة البشرية للمخالفين له في الاعتقاد والإيمان!! ومن هنا ينبع سوء الفهم واضطراب الأفكار وتوتر المشاعر الذي يقود إلى معارك طاحنة تشوه رسالة الإسلام وطبيعة الدين، وتضر بالاجتماع الإنساني وبماء الهوية الوطنية الجامعة التي يجب أن تتسع لكل أبناء الوطن.

 

فعادة المتعصبين والمُحرضين يحرصون على حشد وتجميع الآيات القرآنية التي تشرح الحقائق النفسية والعقائدية المُتعلقة بالأخر المخالف، ويتغافلون عن بسط وشرح الآيات التي تتحدث عن حقوق الأخر المخالف ووجوب البر والقسط والرحمة به، واحترام حقه في الحياة بكرامة، وحرية اختياره لدينه ومذهبه، ومن خلال هذا الحشد المتعمد للصنف الأول والثانى من الآيات ينطلقون نحو بث روح الطائفية والانقسام في المجتمعات باسم القرآن والدين، وهذا خطر كبير.

 

لذلك ينبغي الاستفادة من تقسيمنا السابق الخاص بتصنيف آيات القرآن في التعاطي مع الأخر (آيات العقائد، آيات الحقائق، آيات الحقوق) في تفكيك التعصب والفكر المتطرف الذى يستند على نظرة جزئية لبعص النصوص المُقدسة، ويستخدمها بدون فهم ولا اطار جامع يربط بينها ، فهذا التقسيم السابق للآيات عندما يكون حاضراً في ذهن النخب الدينية والثقافية والإعلامية بشكل واضح لن يقع المجتمع فريسة سهلة للتعصب؛ لأنه يُدرك أن النسق القرآنى متماسك ولا يضرب بعضه بعضا وأن ورود أيات تشرح وتوضح عقائد الأخر المخالف وطبيعتة النفسية لاتعنى بأى حال من الأحوال الانتقاص من حقوقه والنيل منه ، ومن خلال ما سبق يتضح لنا أن الإسلام وكتابه الخالد القرآن قادر على التعايش مع الأخر المخالف بكل رحابة صدر وتواصل بدون تمييز أو اقصاء أو تهميش.

عرض مقالات ذات صلة
Load More By ياسر الغرباوي
Load More In تقارير ومقالات

تعليق واحد

  1. تجاني

    20 يونيو, 2020 at 8:32 صباحًا

    اتفق مع هذا الطرح. وضد العقلية التي تلجأ للنسخ فيما يتعلق بهذا الموضوع. تلجأ للنسخ إما في اتجاه الافراط او اتجاه التفريط.

    رد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

بامكانك الاطلاع على

لقاء مع المفكر المصري الباحث والمهتم بقضايا بناء السلام والمصالحة المجتمعية

يحاوره د.عبد الله مشنون  يُعد الأستاذ ياسر الغرباوي أحد المفكرين المصريين البارزين عل…