الرئيسية تقارير ومقالات العقل المسلم والتعلم بالعصا

العقل المسلم والتعلم بالعصا

0 ثانية
1
0
4,155

ياسر الغرباوي*
الأمم الحية والواعية لم تخلق هكذا وإنما وقعت فى أخطاء قاتلة ومعارك طاحنة ومذابح مفجعة،و أيضا تلقت هزائم منكرة لكنها تمتلك ميزة هامة آلا وهى عدم تكرار أخطاء الماضي وأن لاتقع فى الفخ مرتين فهى تتعلم من الأخطاء عبر وسيلتين هما :
الأولي : التعلم بالورقة والقلم من خلال الإستفادة من دروس التاريخ وتجارب الأمم وعدم الدخول فى الأنفاق المظلمة التى سارت فيها الشعوب من قبلها وذلك عبر القراءة والنقد الدامى للذات والإعتراف بالخطأ بدون استعلاء وادعاء للأفضلية والخصوصية وذلك من خلال جهود الفلاسفة والعلماء ومراكز البحث والدراسات.
الثانية : التعلم بالعصا:
فالأمم العاقلة تعتبرالنكبات والهزائم التى تتعرض له منحة ورسالة صادقة فحواها هى أن لا تدخلوا فى معارك خاسرة مرة أخري مهما كانت الإغراءات والمكاسب السريعة والضغوط المتوالية .
فالقارة الأوربية تمزقت أحشاءها وتقطعت أوصالها وخسرت قرابة خمسين مليونياً من أبنائها فى الحرب العالمية الثانية ودفعت ضريبة عالية نتيجة لإنتشار النزعات القومية المتطرفة بها،لكنها تعلمت الدرس وقررت أن لا تكرر أخطاء الماضي وأسست لعلاقات أوربية- أوربية قائمة على التواصل لا القطيعة وعلى التعاون لا الصراع .
اليابان هزمت فى الحرب العالمية الثانية هزيمة منكرة فخسرت مستعمراتها فى الصين وجنوب شرق أسيا واحتلت أجزاء من أرضها،لكنها استفادت من هذه الخبرة وقررت تغير البوصلة وإعادة بناء الأمة اليابانية بفلسفة جديدة وفكر حديث يتجاوز أخطاء الماضي وينحاز للمستقبل فأصبحت قوة إقتصادية عالمية مذهلة فى فترة زمنية وجيزة
الأمة الأمريكية وقعت فى حروب أهلية طاحنة ومعارك داخلية قاتلة وسقطت فى تميز عرقى ضد الزنوج بغيض، وحاربت الهنود الحمر بقسوة، ودفع المجتمع الأمريكي ثمنا كبيراً لكل هذه الحماقات على المستوي الإقتصادي والسياسي والإجتماعى ولذلك قررت الأمة الأمريكية الوليدة عدم إنتاج آلام الماضي وعذاباته فوضعت من النصوص الدستورية والنظم السياسية والإجتماعية ما يضمن بدرجة كبيرة عدم تمهيش الأقليات أو إقصاء لأى مكون ثقافي فأصبحت بدرجة كبيرة رمزا لحسن إدارة التنوع والإختلاف الإجتماعي والثقافي على مستوي العالم .
شعب جنوب أفريقيا عانى من سياسة التميز العنصري التى امتدت عقود من الزمن وناضل بكل الوسائل المتاحة لنيل حريته من هيمنة العنصر الأوربي الغاشم. وعندما تحقق النصر لجهاد الأغلبية السوداء وتولت مقاليد السلطة والحكم لم تنتقم من الأقلية البيضاء الظالمة ولم تطلق العنان لنيران الإنتقام والتشفى لتعمل فى الفضاء الجنوب الأفريقي، وإنما قررت أن لا تكرر أخطاء الأقلية البيضاء فى الإقصاء والتهميش وإنما شرعت فى تطبيق العدالة الإنتقالية وسيادة حكم القانون ومعالجة جروج الماضي والإبحار نحو فضاء التنمية والإستقرار والإزدهار.
الأمة العربية والإسلامية
وبعد استعراض تجارب الأمم فى التعلم من الأحداث عبر الورقة والقلم والعصا تأتى الأمة الإسلامية كحالة فريدة دون خلق الله أجمعين فهى لاتحسن التعلم بالعصا ولم تبذل جهدا معقولاً للتعلم بالورقة والقلم !!!!، فقد وقعت الأمة الإسلامية فريسة لحروب طائفية طاحنة ومعارك أهلية عنيفة على مدار قرون من الزمن ضربت بشدة استقرار وتقدم المجتمعات العربية والإسلامية فى المشرق والمغرب سواء فى التاريخ القديم والحديث والمعاصر.والأن نجد أن هذه المعارك التاريخية والطائفية مازالت مستعرة بقوة فى العالم الإسلامي وتحتل مقدمة نشرات الأخبار والتقاريرالعالمية،فوقائع المعارك الحالية فى شوارع بغداد والموصل والأنبار تؤكد هذه النظرية، حتى يُخيل للمتابع أن ما يقع فى العراق وسوريا ولبنان وأفغاستان الأن هو الشوط الثانى من معركة كربلاء، أو الهجوم المضاد لقوات سيدنا على بن أبى طالب على جيش معاوية ، أو صرخة الحسين فى وجه يزيد !! فنحن لانفهم ولانعى بطريقة العصا !!فمازلنا نكرر نفس المعارك ونقع فى نفس الحفر التاريخية ونسقط فى ذات الفخاخ التى وقعنا فيها سابقا بدون وعى ولا رشد ولا بصيرة؛ فمازالت معارك السنة والشيعة ،والأكراد والعرب ،والمسلمين والمسيحيين مشتعلة منذ قرابة ألف عام فى الفضاء الإسلامي ويبدو أن وقودها لن ينضب قربيا ،فمن يراهن على أن الأمة الإسلامية ستتعلم بالتجربة والخطأ فقط يبدو لى أنه واهم أمام حقائق التاريخ ووقائع الجغرافية .
لذلك أعتقد أن السبيل الأهم والأجدي لتقدم وتعلم هذه الأمة سيمر عبر البذل فى وسيلة التعلم بالوعى والنقد ومراجعة التراث والمخرون الفقهي والوجدانى المكون للعقل الثقافي الإسلامي فبدونه لايمكن عمل تقيم ومراجعات للمسيرة والمسار التاريخي للحضارة الإسلامية وللأسف الجهد المبذول في هذا الطريق الأنفع والأصوب قليل والإستثمار فيه نادر!!!
*مؤسس مركز التنوع للدراسات

عرض مقالات ذات صلة
Load More By ياسر الغرباوي
Load More In تقارير ومقالات

تعليق واحد

  1. Rofieda Shaibani

    22 ديسمبر, 2015 at 10:14 مساءً

    السلام عليك استاذي ياسر ,
    أشكرك شكراً جزيلاً على محاضرتك لهذه الليلة عن جذور الاحتقان الطائفي في اقليم الشرق..

    قرأت المقال وهو رائع ,, كما بدأت في قراءة كتابك “الهروب من الحرب الأهلية مصر نموذجاً”

    كنت قد سألتك سابقاً حول : هل يرجع أصل مشكلة الطائفية والصراعات منذ قديم الزمان وحتى يومنا هذا الى عدم تقبل الآخر وعدم فهم التعدد والاختلافات ,, أم أن المشكلة لها بعد نفسي أيضا لا يُمكن تجاوزه ؟؟؟
    والحقيقة لم يكن هناك وقت لتوضيح المسألة بسبب رغبة الجميع في وضع الاسئلة .

    لقد ذكرت لك مثالاً حول مدى ارتباط الانسان بالعالم المادي من حوله ولم يكن القصد من ذكر المثال هو توضيح أن للانسان انتماء معين للمكان الذي ولد فيه ,, بل كان القصد توضيح كيف أن هذا الارتباط بهذا العالم المادي هو سبب المشكلة منذ قديم الزمان وسيستمر حتى ولو قمنا بنشر ثقافة الوعي بأهمية الاختلافات والتعددية والتنوع والسبب في ذلك هو سيكولوجية الإنسان نفسها وتكوينه …

    الانسان يقدر ذاته ويعتقد أنه على صواب وأن مرجعيته هي الصواب وهو ينطلق من منظلق تجاربه الشخصية فقط ,, واذا انتقدت موضوع معين يرتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بالانسان فإنه يأخذ هذا النقد أنه لشخصه ..

    فعلى سبيل المثال اذا افصحت عن رأيك في شكل ملبس شخص ما أو ترتيب منزله فهو يأخذ هذا التعبير أنه موجه لشخصه والسبب أنه ما يلبس أو ما هو مصمم في شكل منزله هو مرتبط بطريقة ما بشخصيته هو , كذلك الحال ان توجهت بالتعبير عن رأيي عن فكرة أحدهم فإنه ينظر لهذا الأمر أنه موجه له باعتباره هو صاحب الفكرة ,, وهذا ما قصدته في الارتباط المادي للانسان بأشيائه وأفكاره ومعتقداته ,, ومن هنا تنشأ كل هذه الخلافات ,,

    باعتقادي أن المسألة مسألة وعي وفهم بكيفية فصل الانسان عن افكاره ,, الانسان كيان مستقل عن فكرته , حينما يدرك كل انسان هذا الامر فإنه يتعامل مع انتقاد الآخر لأفكاره أنه ينتقد الفكرة ولا ينتقد ذاته هو “الفكرة شي والانسان شي آخر”

    في معاناة حنبل والطبري وغيرهم ممن تعرضوا للاذى بسبب أفكارهم المخالفة ,, كان الطرف الآخر يواجههم بهذا الأذى بسبب اعتقادهم أن هؤلاء ينتقدوهم وينتقصون منهم بطريقة غير مباشرة “مجرد اعتقادك بفكرة أخرى غير فكرتي فأنت تسلم جدلاً أن فكرتك صواب وفكرتي خطأ , ومعنى أن فكرتي خطأ أنك انك هاجمت أفكاري ومعناها أن تهاجمني أنا , تهاجم ذاتي , وأنا من حقي أن أدافع عن ذاتي بكل ما أملك من قوة” بينما لو كانوا يدركون أن “هم لا ينتقصون مني , هم لا يهجمون على ذاتي وانما يرون الفكرة غير صحيحة ولديهم وجهة نظر مختلفة لما كان هناك كل هذا النوع من الصراع ..

    اذا تفضلت واخترت شخص من أفضل من يؤمن بحرية الاختلاف وتعدد القناعات في مركزك الخاص ثم توجهت اليه بعرض رأيك حول اشياء ترتبط به ,, عبر عن مدى اعجابك أو عدم اعجابك بدولته أو بشعبه أو بطريقة حياتهم أو فكرة تعتقد أنها خاطئة ,, بل إن كان حاصلاً على درجة علمية معينة وأخبرته أن لديك بحثاً يعرض كيف أن هذا الأكر مخالفاً لما استنتجه هو , ستجده لا شعوريا يدافع عن كل ذلك دفاعاً مستميتاً ولن يسمح بمجرد التفكير أن ما توصل اليه بعد عناء شديد هو في الاساس معلومات خاطئة وتم تعديلها , لأنه ببساطة مرتبط بكل هذه الاشياء ارتباطا ماديا ويشعر انها جزء منه ,, بينما لو لم يكن مرتبط بها فسيركز على مدى صحة الفكرة نفسها ان كانت صائبة أو خاطئة أو تحتمل اكثر من معنى ولن تكون لديه مشكلة في أن يعترف أن كل ما توصل إليه كان خطأ وأنه مستعد لتعديله وبنائه من جديد.

    لذلك سيكلوجية الانسان عامل مهم في بناء التعددية وتقبل الخلافات ” فقط توعية الناس بأنهم ليسوا أفكارهم وأن افكارهم ليست هم” من هذا المنطلق سيكون من السهل تقبلهم لبعضهم ولن يكون هناك شعور بأنك تمس ذاتي أو أمس ذاتك

    اتمنى تكون فكرتي وصلت بشكل أفضل ^_^

    خالص التقدير
    رُفيدة الشيباني

    رد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

بامكانك الاطلاع على

لقاء مع المفكر المصري الباحث والمهتم بقضايا بناء السلام والمصالحة المجتمعية

يحاوره د.عبد الله مشنون  يُعد الأستاذ ياسر الغرباوي أحد المفكرين المصريين البارزين عل…