الرئيسية تقارير ومقالات أسباب التعصب الديني و المذهبي

أسباب التعصب الديني و المذهبي

1 ثانية
0
2
11,064

بقلم: مصطفى علي حسون

التعصب الديني, أو الغلو في الدين داء استعصى على الأمة اليوم, و لا أبالغ إن قلت أنه من أعتى الأمراض التي تصيب أمتنا. وقد أُخذت كلمة التعصب من العصبية، و هي أن يدعوا الرجل إلى نصرة عصبيته، ظالمة كانت أو مظلومة. و من المعاني أيضا المحاماة و المدافعة و النصرة . و يكون ذلك على مستوى الأفكار و المشاعر، و الأقوال و الأفعال. المرجع1
كما أن مشكلة التعصب الديني ليست موجودة عند المسلمين بل هذه المشكلة واجهتها أوربا فى مطلع العصر الحديث مع ظهور البروتستانتية ، وعمقها وأطر لها من بعده جان كالفان وقد شهد القرن السادس عشر تعصباً كاثوليكياً ضد البروتستانت، وقد ظل هذا التعصب الدموي بين الديانتين طوال القرن السادس عشر. ويمثل هذا التعصب بداية التعصب الدينى فى العالم بما فيه العالم الإسلامي لاحقاً.
وتعود بدايات التعصب المذهبي في التاريخ الإسلامي إلى الخلافات السياسية و الفكرية –الأصولية و الفقهية- التي حدثت بين المسلمين خلال القرون الثلاثة الهجرية الأولى، مما أدى إلى ظهور فرق و طوائف و جماعات تمذهبت بأفكار و أصول كانت تحملها ، ثم تعصّبت لها و سعت جاهدة إلى نشرها و الانتصار لها على أرض الواقع ، فدخلت في نزاع مذهبي شديد فيما بينها.
و للتعصب الديني في الاسلام الأثر الكبير على تشويه صورة الاسلام أمام العالم, و بالمقابل نحن مطالبون بايصال هذا الاسلام إلى العالم بأسره, لقوله تعالى: “و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”.
لذلك سنتطرق في هذا المقال إلى الأسباب التي يمكن أن تكون سببا في التعصب الديني.
الأسباب الفكرية للتعصب:
1. من أهم الأسباب التي تؤدي إلى التعصب هي ادعاء الحق المطلق, و أن كل فئة أو متبعي مذهب أو دين يدعون أنهم يملكون الحق المطلق, و لا يستطيعون الايمان أن الحق واحد لكن له أوجه متعددة, و يمكن أن ترى فئة جزءا من الحق مع أن فئة أخرى ترى جزءا آخر من نفس الحق. وذلك بسبب الجهل بحقيقة أن الحق واحد لكن الصواب متعدد، وقد يكون للحق الواحد أوجه عدة من الصواب. الأمر الذي يؤدي إلى رفض سنة الاختلاف، والنزوع إلى الإقصاء والعنف.
2. الانحراف عن معايير العدالة و العقلانية , فأغلب معتنقي الأديان , يؤمنون بالدين بشكل بعيد عن تحكيم العقل, فبعض المسيحيين يؤمنون بأن هناك 3 آلهة بالرغم من منافاة ذلك لقواعد العقل السليم, و كذلك هناك أمثلة في جميع الديانات و المذاهب حتى الاسلامية منها.
و حتى لو ظهر لهم الحق في دين او مذهب أخر فيبقى المتعصب مصرا على رأيه و لا يزن الآراء بميزان العدالة و العقلانية.
3. غلبة مفهوم التعصب على مفهوم المواطنة, فأصبح كل فئة في المجتمع تدافع عن حقوق طائفتها أو دينها بغض النظر عن اشتراكهم في الانسانية أو الجنسية الواحدة, فترى ظهور الحكومات ذات التقسيمات الطائفية, كما يحصل في لبنان على سبيل المثال, فتقسم عدد المقاعد في البرلمان تقسيما طائفيا و كذلك الحقائب الوزارية, و كان من باب أجدر أن يتم التقسيم على أساس الكفاءة, والحال نفسه في العراق و سوريا مستقبلا.
4. كذلك فإن قضية الجهل بالدين وأصوله وقواعده ومقاصده و النظرة السطحية له من أكبر أسباب التعصب, فترى المتمسك بالدين بشكل سطحي يبتعد عن روح الدين و مقاصده التي جعلها الله هدفا لوجود الدين. فترى التمسك الأعمى بأمور لم يأمر بها الدين ظانا أنها من الدين.
5. مقاومة التغيير والاستكانة إلى الأمن بتفضيل ما هو موروث وتقليدي في المواقف والسلوك وتشمل قياس الأصولية الدينية، والتشدد في العقوبات، وعدم التسامح إزاء الأقليات، وتفضل ما هو تقليدي، وتتبنى التفسيرات الخرافية للظاهرة العلمية.و هذا قول لويلسون عن الدوجماطيقية.
6. إشكالية عدم تقبل الاخر هي من البلايا التي ابتلينا بها, و التصور التآمري للآخر و التي تجعل الشخص يرى الأخر على أنه العدو أو المخالف دائما, بدون النظر إليه على أنه بشر له فكر و نظرة أخرى تختلف عن فكري و اعتقادي.
7. التعصب كبنية, فهناك أشخاص هم بحد ذاتهم متعصبين أينما وضعتهم أي بنيتهم الفكرية متعصبة , فلو وضعته كمسلم كان مسلما متعصبا, و لو وضعته كمسيحي كان مسيحيا متعصبا, و لو كان سنيا كان سنيا متعصبا و لو كان شيعيا كان شيعيا متعصبا.
و يمكننا كذلك الحديث عن أسباب التعصب المذهبي بحيث أنه جزء من التعصب الديني :
8. فهناك ما يسميه الدكتور أبو المقرئ الادريسي وسواس”الفرقة الناجية” , و أن المعتصبين أيا كانوا يؤمنون قطعيا أن فئتهم هي الفئة الناجية من دون البشر.
9. التبسيطية المخلة فإما حق أو باطل, وعدم مراعاة التعقيد والتشابك والتداخل الذي توجد عليه القضايا المعروضة مما يؤدي بالضرورة إلى إلغاء الاختلاف والاجتهاد، بل تعطيل فعالية العقل لأن الأمر في منطق الغلاة بسيط له أجوبته الحاسمة والجاهزة والجازمة كما يقول الدكتور أبو المقرئ الادريسي.
10. الفجوة المعلوماتية:فعلماء المسلمين منذ عصر التّدوين الى اليوم يختارون ما يريدون إبلاغ العامة به من ماهو موجود في كُتبُ تُرَاثِنا ويتركون أجزاء كثيرة من هذا التُراثِ في بطون أمهات كتبنا بعيدة عن علم ووجدان عامة المسلمين. وقد تسببت الإختيارية المنحازة في تكوين صور فيها غْلْو و مبالَغه للرٍموز المؤسِسَة للإسلام في أذهان العامة على حساب الموضُوعيّة الوسطية الحقيقية.
11. عدم التفرقة بين النص الالهي و أقوال العلماء, فيعتبر أقوال العلماء دينا غير قابل للخطأ أو المناقشة, فتراه يدافع عن أقوال العلماء مثلما يدافع عن النص الالهي, و هذا يؤدي إلى التعصب الأعمى للمذهب أو الدين.
12. غياب فقه المقاصد, بالنصية الحرفية عند بعض الفئات و المذاهب, فهم لا يحاولون فهم الاسلام من منطلق مقاصدي, أي من منطلق أهداف الشريعة و إنما النظر إلى كل نص على أنه منفصل عن باقي النصوص و إهمال الفكر المقاصدي.
13. غياب فقه الموازنات:حيث تضخم الصغير وتقزم الكبير.
14. عدم الالتزام الصحيح و الكامل بدين الإسلام على مستوى المشاعر و الأفكار و السلوكيات ، لأن ديننا الحنيف يقوم على العدل و المساواة ، و التوازن و الاعتدال ، و لا يقوم على التطرف و الغلو و التعصب للباطل ، فالطوائف التي وقعت في التعصب المذهبي المذموم انحرفت عن الشرع الحكيم ،و لم تلتزم به
15. رواج أحاديث ضعيفة و موضوعة بين المتمذهبين المتعصبين ، فيها إقرار لهم على ما هم فيه من اختلاف و تدابر و تنافر ، كحديث : (( اختلاف أمتي رحمة )) ، فهذا الحديث غير صحيح ، استغله هؤلاء المتعصبون استغلالا فاحشا لدعم ما هم فيه ، و اتخذوه سندا لهم لتكريس الانقسامات المذهبية و التعصبات الطائفية .
16. بقاء كثير من المسائل –الأصولية و الفقهية- المُختلف فيها بين المذاهب ، على ما هي عليه ، من دون تحقيق علمي نزيه يرفع عنها الخلاف ، لأن المتعصبين سعوا جاهدين إلى الاحتفاظ بمذاهبهم و الاحتجاج لها ، و الدفاع عنها ، حتى و إن كانت أدلتهم ضعيفة ، فأدى ذلك إلى تكريس العصبية المذهبية و التشجيع عليها ، و الدفاع عنها ، و إبقاء مسائل الخلاف قائمة.
الخاتمة:
و ديننا الاسلامي بعيد كل البعد عن أي تعصب بل نصوص كثيرة تدل على ذلك, نذكر منها إنه عندما سئل المحدث أبو بكر بن عياش (ت 193ه ) : من السني ؟ ، قال: ” الذي إذا ذُكرت االأهواء لم يتعصب إليها ”
المراجع:
التعصب المذهبي في التاريخ الاسلامي الدكتور خالد كبير علال
أبو زيد المقرئ الإدريسي:الغلو في الدين داء استعصى على الأمة

عرض مقالات ذات صلة
Load More By ياسر الغرباوي
Load More In تقارير ومقالات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

بامكانك الاطلاع على

لقاء مع المفكر المصري الباحث والمهتم بقضايا بناء السلام والمصالحة المجتمعية

يحاوره د.عبد الله مشنون  يُعد الأستاذ ياسر الغرباوي أحد المفكرين المصريين البارزين عل…