الرئيسية تقارير ومقالات الكنيسة والمُشير

الكنيسة والمُشير

0 ثانية
0
0
1,641

ياسر الغرباوي*

قاده الأقليات الدينية يرتكبون خطأ قاتلاً بخوضهم غمار السياسية بأنفسهم أو بإسم مؤسساتهم الدينية فيصبحون طرفاً فى الصراعات السياسية بدعوى تأمين مستقبل أقلياتهم وسط الأغلبية،وقد يتسبب هذا فى وقوع حروب أهلية ومعارك طائفية تُقوض حاضر ومستقبل هذه المجموعات الوطنية ؛لأن التنافس السياسي قائم على الصراع فكل منتصر جديد فى المعارك السياسية فى الدول غير الديمقراطية يحرص على التنكيل والتضيق على حقوق الطرف الخاسر وأنصاره،وهذا يؤدى إلى توتر إجتماعى كبير ومؤلم خصوصا مع شيوع الأفكار النمطية المُتعصبة.

 لذلك لابد أن تُدرك الأقليات أن مستقبلها وسط الأغلبية يقوم على التراضى والتواصل الإنسانى وليس على فلسفة الغلبة السياسية ؛ فالأنظمة تأتى وتذهب، والأحزاب تفوز وتسقط، ولكن تبقى الوشائج الإجتماعية والأواصر الثقافية والإنسانية التى بُنيت على أسس عادلة ومتساوية  قوية ومتينه وقادرة على إنضاج تواصل إنسانى حضاري بين أفراد كل المجتمع بعيداً عن  لغة التشاحن والصراع السياسى والحشد الإنتخابى والتعصب الطائفي.

الكنيسة المصرية

المنطقة العربية المعاصرة تسود فيها المعارك الطائفية والحروب الأهلية بشكل كبير ومصر كانت  تبدو استثناءاً فى هذا الإطار بحكم التلاحم الوطنى الضارب بجذوره فى حقائق الجغرافيا ووقائع التاريخ، ولكن يبدو أن  القيادات الدينية المصرية الإسلامية والمسيحية الحالية تسير بسرعة كبيرة فى تقويض هذا التعايش الوطنى دون أن تدري عبر تدخلها السافر والمباشر كأطراف رئيسة فى المعارك السياسية، وسأتناول هنا تدخل الكنيسة بقيادة البابا تواضروس فى الشأن السياسي بشكل غير مسبوق فى تاريخ الكنيسة والحياة السياسية المصرية مما سيؤثر  سلباً على مستقبل الإستقرار والتلاحم الوطنى بين مكونات الأمة المصرية ويتجلى هذا الأمر فى التالي :

أولاً:  حضور البابا تواضروس بيان إعلان عزل الرئيس محمد مرسي المُنتخب يوم 3 يوليو أثر على جزء كبير من الوجدان الشعبى بشكل سلبي وساهم فى توتر العلاقة بين مكونى الأمة المصرية  المسلمين والمسيحيين ، لأنه خلط بشكل سيىء ومتعمد بين الدينى والسياسي وحمل المؤسسات الدينية مسئولية المشاركة المؤثرة فى الشأن السياسي وهذا بطبيعة الحال لايتماشى مع مهام هذه المؤسسات الدينية والروحية.

ثانياً: أدلى البابا تواضروس بتصريحات رسمية بتأيد ترشح المُشير السيسى لتولى رئاسة مصر مما جعل قطاعاً واسعا من الشعب المصري يؤمن بأن المعركة الدائرة الأن فى مصر هى معركة هوية ودين وليست خلاف سياسي – وأنا لست مع هذا التفسير ولكن أنقل بدرجة ما بعض الأفكار السائدة فى الشارع المصري .

ثالثاً: تصريح البابا تواضرس فى جريدة الأهرام الرسمية أن التصويت على الدستور بنعم يزيد النعم والذى اعتبره البعض تدخل سياسيى مباشر فى العملية السياسية، خصوصاً أن المصريين جميعاً يُدركون مدى ارتباط الأخوة المسيحيين برمزية رأس الكنيسة والسمع والطاعة له.

رابعاً: توالى تصريحات القساوسة التابعين للكنيسة بتأيد ومناصرة المُشير لخوض الإنتخابات الرئاسية ساهم فى تأكيد قناعة العديد من المصريين وخصوصا المُعارضين للمشير السيسي بأن هذا هو الموقف الرسمى المُعتمد للكنيسة وهذا وفر للمُتعصبين حجج قوية لشحن الرأى العام المصرى بأن المعركة هى بين إسلام وكفر وهذا أمر خطير .وقد نتج عن ما سبق من نقاط وقوع حوادث مؤسفة حيث تعرضت 40 كنيسة و 200 مؤسسة مسيحية للإعتداء منذ إعلان عزل الرئيس محمد مرسي يوم 3/7/2013، وذلك وفق إحصاء منظمة العفو الدولية فى تقريرها الأخير، وهذه الوقائع  تُعتبر أمر غير مسبوق فى التاريخ المصري المعاصر من حيث الكم  فقد بلغ مجمل الإعتداءات 240 إعتداء متنوع ما بين كنيسة ومؤسسة، من حيث الإنتشار الجغرافى للإعتداءات فالأمر لم يقتصر على الصعيد وإنما امتد للسويس، وبورسعيد، وشمال سيناء،وبنى سويف وبعض الأحياء فى القاهرة الكبري،وهذه جرائم مؤسفة يجب معاقبة مرتكبيها  ولكن يبنغى  أيضا دراسة الظروف الإجتماعية والسياسية التى ساعدت على وقوع هذه الوقائع.

تأمين المستقبل

الفتن  الطائفية تنشأ حينما يغيب العقل ويتشوه الوجدان، لذلك أنصح إخواني المسيحيين شعبا ًوكنيسة بحكم ثقتي في وطنيتهم وحبهم لوطنهم أن يسارعوا إلي تفكيك هذه الدعاوي الطائفية والدعاية الصفراء، ولكى يقطعوا الطريق على المُتعصبين وغيرهم  الذين لايريدون خيراً لمصر وشعبها أن يقوموا  بالخطوات التالية:

1 -على البابا تواضرس أن يُعلن الكنيسة مؤسسة روحية ولا شأن لها بالصراع السياسي وأنها مكان يقود الناس إلى المحبة والرحمة لا إلى الشقاق والنزاع؛وأنها لا شأن لها بخيارات أفرادها السياسية.

2 – على الإخوة المسيحيين أن ينخرطوا في فى الحياة السياسية المصرية بعيداً عن مؤسسة الكنيسة فالأخ المسيحي الذي  يؤيد فصيل سياسي معين  عليه أن يشارك في الحراك الإجتماعي، ويلتحم بالمجتمع، وسط جو من التواصل والتآلف، حتى يدرك المجتمع أن الصف المسيحي ليس كتلة واحدة مصمتة، وإنما شأنه شأن كل المصريين، فيهم المؤيد وفيهم المُعارض وفيهم المُقاطع للشأن السياسي العام.

 3 –  على الكنيسة والمؤسسات المسيحية المسئولة أن تتصدى بنفسها لبعض المتعصبين المسيحيين الذين يسيئون لوجدان الأغلبية المصرية المسلمة ببعض التصريحات المُستفزة التى تُعتبر غريبة على التعايش والتراحم المصري الأصيل

 وفى النهاية على الجميع أن يدرك أن مستقبل الوطن مرهون بالتلاحم المجتمعي بين المسلمين والمسيحيين، ونشر روح التسامح، وعدم التعصب، وليس مُتعلق بقوة السلطة ولا سطوة القانون، وأن المستقبل هو أن ننتج  نحن المصريين نظاما يؤمن بالحرية والمساواة والعدالة للجميع، فالمجتمع يستمد قوته من ذاته، وليس من الرئيس أو النظام، فبالحب تبنى الأوطان.

*مدير مركز التنوع للدراسات

 

عرض مقالات ذات صلة
Load More By ياسر الغرباوي
Load More In تقارير ومقالات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

بامكانك الاطلاع على

لقاء مع المفكر المصري الباحث والمهتم بقضايا بناء السلام والمصالحة المجتمعية

يحاوره د.عبد الله مشنون  يُعد الأستاذ ياسر الغرباوي أحد المفكرين المصريين البارزين عل…