الرئيسية صدى الأحداث  كيف أبعد الأمريكيون العسكر عن السياسة؟؟

 كيف أبعد الأمريكيون العسكر عن السياسة؟؟

2 ثانية
0
0
2,402

 العربي الجديد

ياسر الغرباوي

ضبط العلاقات المدنية العسكرية داخل المجتمعات التى تسعى نحو الديمقراطية وتطبيق دولة القانون والمؤسسات، رحلة شاقة لاتسير فى خط مستقيم، وإنما هى مسار تنجح فيه الأمم بالدرجات والنسب؛ فهناك مجتمعات تفوقت فى هذا الجانب بنسب عالية، وهناك شعوب أخري مازالت تتنكب الطريق، واليوم نستعرض معاً التجربة الأمريكية فى كيفية اخضاع الجهاز العسكري للسلطة المدنية، وتندرج التجربة الأمريكية تحت مظلة تجارب التأسيس الواعى والمُدرك لدور القوات المسلحة ابتداءً قبل التشكل والتكوين، ولا تأتى فى إطار تجارب الترويض والإحتواء للجيوش التى تأسست بدون نصوص دستورية ضابطة، ولا سياسات قانونية واضحة مثل تجارب تأسيس الجيوش العربية الحديثة.

 فعبر ثماني خطوات مركزية نجحت أمريكا فى فرض السيطرة المدنية على جيشها وفق التالي :

أولاً :الأباء المؤسسون لدستور الولايات المتحدة الأمريكية بحكم ثقافتهم الأوربية كانوا على وعى تام بالتجربة البريطانية التى تؤكد ضرورة خضوع الجيش للسلطة المدنية حتى لايكرروا تجربة كرومويل* فى اربعينات القرن السابع عشر عندما استخدم الجيش البريطاني لقمع المعارضة السياسية فى الداخل وهذا أثر على فلسفة وروح كتابة وثيقة الدستور فى نظرته لدور الجيش.

 ثانيا: اعتراف المؤسسين بضرورة وجود جيش دائم لتأمين البلاد لكنهم أمنوا بوجوب اتحذ الحذر الشديد  من أجل المحافظة على الحرية ومنع حصول حالات إساءة استعمال السلطة، فاعترف المؤسسين بأهمية وجود جيش دائم لتأمين حماية الوطن والدفاع عنه شرحها جيمس ماديسون بقوله”إن الحماية من الخطر الأجنبي يشكل أحد الأهداف الأولية لمجتمع مدني.. (ولكن ) وجود جيش دائم.. هو أمر خطير، مع أنه قد يكون في نفس الوقت ضرورياً. فإذا كان تعداده بحجم صغير سيكون لهذا إزعاجاته، وإذا كان بحجم موسّع قد تكون نتائجه مُهلكة، وكذالك اعتبر البريدج جيري_ أحد المندوبين إلى المؤتمر الدستوري الأمريكي عام 1787- وجود الجيوش الدائمة في زمن السلم يتعارض مع مبادىء الحكومات الجمهورية، ويُشكل خطراً على حريات الشعب الحر، وتوقع أن تتحول الجيوش ساعتها إلى آلات مدمرة تُمهد لإقامة الحكم الاستبدادي ومن أجل كل تلك المخاوف السابقة عالج الأمريكيون هذه المُعضلة بوضع دستور يوضح مهام ووظائف القوات المسلحة فى وقت السلم والحرب بدقة بما لايسمح لها بتقويض الديمقراطية.

ثالثاً: تم اخضاع تكوين الجيش والإنفاق علية وميزاتيه للكونجرس؛ فمسؤولية تكوين جيش والمحافظة عليه و تسديد نفقاته خاضعة بالكامل لسلطات الكونجرس وليس إلى السلطة التنفيذية.

رابعاً: الكونجرس صاحب السلطة الوحيدة فى اعلان الحرب وليس الرئيس، فقد أدّى الفشل العسكري الأمريكي في فيتنام إلى “عقدة” ما بعد فيتنام، فقد عّبر رؤساء وقادة عسكريون وأعضاء من الكونغرس، وأفراد من الشعب عن شكوكهم حول قدرة القوات العسكرية على تحقيق أهداف السياسة الأمريكية بمفردها وهذا اتضح للجميع فى معارك فيتنام،لذلك وضع الكونغرس قانون سلطات الحرب في عام 1973 رغم اعتراض الرئيس نيكسون عليه،وهدف هذا القانون هو تقييد سلطة الرئيس في إرسال قوات مسلحة إلى الخارج دون موافقة الكونغرس.

خامساً: الرئيس المُنتخب هو القائد الأعلى للقوات الأمريكية: تنص المادة في الدستور الأمريكي المتعلقة بمنصب القائد العام للقوات المسلحة على أنه بالإضافة إلى واجباته الأخرى، “يكون الرئيس هو القائد العام لجيش وبحرية الولايات المتحدة، ولقوات الميليشيا التابعة للولايات المختلفة وهذا ساهم بشكل كبير فى خضوع الجيش للسلطة المدنية المُنتخبة.

 سادساً: الدستور الأمريكى يُقسم السلطة العسكرية بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية لمنع سوء استخدام السلطة وهو تقسيم يهدف إلى الحيلوية دون إساءة استعمال السلطة؛ فالدستور يُثّبت بوضوح أن الرئيس المدني المنتخب شعبياً هوالقائد العام للقوات المسلحة، والعنصر الحاسم هنا هو أن سلطات الرئيس مقررة ومحددة ككل، وأن الكونغرس، والمحاكم الأميركية، والهيئة الانتخابية يملكون سلطة كبيرة في تحديد سلطاته و مهامه هذا أدى بطبيعة الحال إلى قيادة تشاركية مدنية تسيطرعلى الجيش الأمريكي تأتى عبر صناديق الانتخاب .

 سابعاً: تم ترسيخ سياسة أن الجيش الأمريكي يقوم بتنفيذ المهام الموكلة له من القيادة السياسية ولا يتدخل فى صنع القرار السياسي، وهذا يعنى أن تقوم القوات العسكرية بلعب دور إداري ولاتقوم بصنع التوجه السياسي والاستراتيجي؛ ولذلك رفض ايزنهاور الإدلاء بصوته فى الانتخابات الأمريكية عندما كان قائداً للقوات الحليفة فى أوربا فى الحرب العالمية الثانية ترسيخاً لمبدأ عدم جواز تأثّر القرارات العسكرية على القرارات السياسية.

 ثامنا : إحلال القيادات العسكرية القديمة بقيادات عسكرية شابة تؤمن بثقافة وجوب خضوع المجهود الحربي للقرار السياسي، ويعتبر العديد من الخبراء أن تلك المهمة صعبة لكنها ضرورية اذا كان المطلوب وضع القوات العسكرية تحت السيطرة المدنية الكاملة، وقد تتطلب هذا التغيير الكثير من الوقت والتعليم والحسم؛ فاستبدال القادة المخضرمين الذين لا يثقون بالقادة المدنيين بقادة جدد يرغبون  فى العمل لمصلحة القيادة المدنية يعد أمر استراتيجي يؤمن مستقبل العلاقة المدنية العسكرية داخل الولايات المتحدة الأمريكية.

ويتضح من النقاط الثماني السابقة أن بناء دول ديمقراطية تقوم على الفصل بين السلطات وتطبيق القانون، وسيادة العدالة أمر يتطلب وعى كبير من النخبة السياسية المدنية والعسكرية، ويحتاج فى ذات الوقت إلى مسار زمنى يتم فيه تصويب الأخطاء التى تظهر مع الأحداث والوقائع لسد الثغرات التى أمام قوي الهمينة والاستبداد العسكري داخل المجتمع.

* أوليفر كرومويل Oliver Cromwell سياسي ورجل دولة إنكليزي، حكم إنكلترا من سنة 1653-1658

عرض مقالات ذات صلة
Load More By ياسر الغرباوي
Load More In صدى الأحداث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

بامكانك الاطلاع على

لقاء مع المفكر المصري الباحث والمهتم بقضايا بناء السلام والمصالحة المجتمعية

يحاوره د.عبد الله مشنون  يُعد الأستاذ ياسر الغرباوي أحد المفكرين المصريين البارزين عل…