الرئيسية تقارير ومقالات ما قاله المقاتل لرفيقه

ما قاله المقاتل لرفيقه

1 ثانية
0
0
1,345

محمد أبو الغيط

جريدة الشروق

الخميس 19 ديسمبر 2013

الشمس تشرق من الشرق.. البحر لونه أزرق.. الأفيال لا تطير.. النزاعات الأهلية تنتهي بتقسيم الدولة أو بمصالحة وطنية.. تلك حقائق الحياة التي لا تنتظر أحداً لاكتشافها من جديد، مش هنخترع يعني!

في وقت يطلب فيه كل المستمعين أغنية “هما شعب وإحنا شعب”، نعود إلى تقديم ما لا يطلبه المستمعون، مع تجارب دول العالم في المصالحة الوطنية.

خصصت مقالاً سابقاً لتجربة الجزائر، التي يحلو لكثيرين من الطرفين الاستشهاد بها دون معرفة تفاصيلها، واليوم نواصل الجولة.

لبنان: القتلة أصبحوا شركاء الحكومة

رغم التوتر العام في لبنان لأسباب تاريخية تخص نشأة الدولة متعددة الأعراق والطوائف أصلاً، إلا أن الحرب الأهلية قد حدثت على خلفية الانقسام السياسي والشعبي إلى فريقين رئيسيين، أحدهما يدعم النضال المسلح للاجئين الفلسطينيين، وهو فريق “الحركة الوطنية اللبنانية” الذي يضم أحزاباً يسارية وقومية، في مقابل فريق آخر يريد طرد الفلسطينيين أو على الأقل منع عملهم المسلح، وهو فريق “الجبهة اللبنانية”، الذي اعتبر الفلسطينيين سبباً لجلب الدمار للبنان، وانتهاك سيادة الدولة كما سبق أن حدث في الأردن وانتهى بأحداث أيلول الأسود، ويتكون هذا الفريق في مجمله من أحزاب يمينية، أهمها حزب الكتائب الممثل الأكبر لطائفة المسيحيين المارون.

بعد سنوات من الشحن الإعلامي والاشتباكات المتقطعة، بدأت الحرب على إثر محاولة فاشلة لاغتيال الزعيم الماروني بيار الجميل في أبريل 1975، اتهم حزب الكتائب الفلسطينيين بتنفيذ العملية، وقتل مسلحو الحزب 27 فلسطينياً في هجوم على حافلة في عين الرمانة، وهو ما أدى لموجة كبيرة من ردود الأفعال العنيفة المتبادلة، وخلال أيام كانت قد أقيمت حواجز في الشوارع تقتل الناس على الهوية لمجرد اختلاف الطائفة أو الانتماء السياسي، وانقسمت بيروت لشرقية وغربية.

دار القتال على أسس طائفية وسياسية وإقليمية متعددة ومعقدة اختلفت عما بدأت به الحرب، حتى إنها شهدت معارك ضارية بين أبناء نفس المعسكر، مثل حرب حزب الكتائب ضد فصائل مسيحية مارونية أخرى من أجل “توحيد البندقية”، أو مثل معارك حرب الحزب التقدمي الاشتراكي ضد حركة المرابطين القومية!

بعد 16 عاماً من الحرب، وسقوط 150 ألف قتيل، وتدمير كامل للبلد، وانقسام الجيش اللبناني وتوزعه على الجبهات المختلفة، اضطر الجميع إنهم “يتنيلوا يتفاوضوا”!

انتهت الحرب عام 1990 باتفاق الطائف الذي تم في السعودية، ونص على حلول وسط نهائية، تشمل ترتيبات داخلية وإقليمية، شملت تسليم الأسلحة، وإعادة توحيد الجيش، وتقاسم السلطة بنظام الرئاسات الثلاث، حسب التعداد السكاني القديم في عهد الاحتلال الفرنسي، وبذلك أصبح للمسيحيين رئاسة الجمهورية، وللسنة رئاسة الحكومة، وللشيعة رئاسة البرلمان، ويحمل كل منهم لقب “السيد الرئيس”.

أما المنظمات الفلسطينية فقد خرجت من لبنان إلى تونس، بعد الحصار الإسرائيلي لبيروت، بينما بقيت المخيمات شبه مستقلة، يديرها أهلها ولا يدخلها الجيش اللبناني، وسلاح الفلسطينيين بداخلها.

عُقدت انتخابات برلمانية موزعة طائفياً، وكان أول قانون صادر عن البرلمان الجديد في 1991 هو العفو الشامل عن كل الجرائم التي وقعت منذ عام 1975.

حين تشاهد في التلفزيون اجتماعاً للسياسيين اللبنانيين لن يخطر ببالك أن بعضهم قتلة حرفياً، بل إن لبعضهم ثارات عائلية عند بعضهم!
حين تشاهد سمير جعجع يتبادل الحديث مع طوني فرنجية، لن يخطر ببالك أن سمير كان قائد القوة التي نفذت مذبحة إهدن، وقتل فيها والد ووالدة وشقيقة فرنجية مع 37 من رجاله!

في هذا الفيديو الذي يحكي عن مرحلة قتال حزب الله ضد الجيش السوري وحركة أمل -أيوه حصل والله!- يظهر عند 3:50 أحد مقاتلي أمل يقول بينما يعبئ رصاص سلاحه “هادول حزب الله؟ دول حزب الشيطان”. كررت مشاهدة هذا الفيديو عبر سنوات، وفي كل مرة أفكر في مكان ذلك المقاتل الآن بعد أن أصبح حزب الله وحركة أمل حلفاء أعزاء!
هل قُتل واتفق السياسيون من بعده؟ هل عاش وترشح للانتخابات، وتحالف مع “حزب الشيطان” سابقا؟ هل اعتزل السياسة كلها؟

يوما ما قال لبناني لرفيقه وهما يجهزان الحاجز على مدخل شارعهما “لن نخون دم شهدائنا، ولن نصالحهم أبداً، هما شعب وإحنا شعب”.

أيرلندا الشمالية: مجرمو “أحد الدم” في مجلس العموم البريطاني

للصراع في أيرلندا جذور تاريخية قديمة تشمل اختلافات سياسية ودينية، وفي المجمل كان الصراع بين الكاثوليك الذين يريدون الاستقلال عن التاج البريطاني، وبين البروتوستانت الذين يدينون بالولاء له.

تعود الأزمة في العصر الحديث إلى الخمسينيات، حيث اندلعت حركة واسعة تطالب باستقلال أيرلندا الشمالية كما استقلت أيرلندا الجنوبية، مما أدى لمصادمات أهلية عنيفة، ساندت فيها الشرطة البروتوستانت.

نفذت منظمة الجيش الجمهوري الأيرلندي موجة هائلة من عمليات الاغتيال والتفجير، حتى إنه في يوم واحد عام 1975 قام الجيش الجمهوري بتفجير 22 قنبلة في بلفاست عاصمة أيرلندا، وأطلق على هذا اليوم يوم أحد الدم.

بعد سقوط 20 – 30 ألف قتيل، بدأت أخيراً المفاوضات الجدية في عام 1997 بعد لقاء رئيس الوزراء البريطاني توني بلير برئيس الجناح السياسي للجيش الجمهوري، رغم أن العالم كله كان يعتبرها رسمياً منظمة إرهابية.

عام 1999 انتهى الصراع باتفاقية بلفاست، والتي نصّت على تمتع أيرلندا الشمالية بالحكم الذاتي في إطار تبعيتها لبريطانيا، ووجود برلمان ومجلس وزراء لها، ونزع سلاح الجيش الجمهوري، ومشاركته في الانتخابات، وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية.

حكى لي صديقي كريم عنارة، الباحث بقسم العدالة الجنائية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أنه خلال زيارته لأيرلندا وجد أن الفنادق والمطاعم تُعلق صوراً لها حين فجرها الجيش الجمهوري! لا أحد يريد أن ينسى، فالذكرى تنفع المؤمنين وغيرهم.

يوماً ما قال أيرلندي لرفيقه وهم يجهزون التفجير القادم “لن نخون دم شهدائنا، ولن نصالحهم أبداً، هما شعب وإحنا شعب”.

جنوب إفريقيا: الحقيقة قبل الحساب

منذ تأسيس الدولة قامت الأقلية البيضاء الحاكمة باتباع سياسة التفرقة العنصرية “الابارتايد”، فيُمنع السود من التواجد في أماكن معينة، وتصادر أملاكهم، ولا تحق لهم المشاركة السياسية، وكله بالقانون يا أستاذ!

أسس الأفارقة حركة المؤتمر الوطني الإفريقي التي انتهجت المقاومة السلمية منذ عام 1949 حتى 1961 حين وقعت مذبحة شارفيل، حيث فتحت الشرطة النار على المتظاهرين السود فسقط 70 قتيلاً و186 مصابًا، مما أدى لتشكيل المؤتمر الوطني جناحه المسلح، والذي نفذ الكثير من عمليات التفجير وإحراق الممتلكات.

سقط آلاف الضحايا من الطرفين، حتى أعلن رئيس الحكومة فريدريك دي كلارك عام 1990 البحث عن حل سياسي، وأفرج عن مانديلا، علماً بأنه كان من قادة الجناح العسكري، وكان بحكم القانون إرهابياً (وبالمناسبة لم يخرج مانديلا من القائمة الأمريكية للإرهاب إلا عام 1998)
حدثت عملية مفاوضات طويلة حتى عام 1994، جرى خلالها الكثير من وقائع القتل العرقي،

عرض مقالات ذات صلة
Load More By ياسر الغرباوي
Load More In تقارير ومقالات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

بامكانك الاطلاع على

لقاء مع المفكر المصري الباحث والمهتم بقضايا بناء السلام والمصالحة المجتمعية

يحاوره د.عبد الله مشنون  يُعد الأستاذ ياسر الغرباوي أحد المفكرين المصريين البارزين عل…