الرئيسية صدى الأحداث عندما أحيا السلام العظام وهي رميم (1)

عندما أحيا السلام العظام وهي رميم (1)

0 ثانية
0
0
1,532

استجاب آدم لنداء العودة الطوعية للاجئي دارفور إلى قراهم بعد توقيع اتفاقية الدوحة للسلام، وقرر ترك معسكر الإيواء الذي عاش فيه أمرَّ أيام حياته، بعدما هُجِّر من داره وأرضه؛ فقد أُجبرت أسرة آدم الكبيرة والمكونة من ثلاث زوجات وعشرة أولاد على ترك قطعانها من الأبقار، وعلى هجران حقولهم الزراعية التي كانوا يأكلون منها، والفرار نحو معسكر الإيواء المُكدَّس بالعائلات المتضرِّرة من نيران الكراهية والثأر.
وعندما اقترب آدم من مشارف قريته: (أرارا)، ورأى أشجارها الباسقة التي يعرفها وتعرفه؛ أنهمرت الدموع من عينيه، وبدأت السعادة تشق طريقها إلى صدره، ولكن الزمن – كما تعرفون – مملوء بالنوائب والمفاجآت، فعندما وصل لوسط القرية وجد بيته قد أُحرق، وهذا متوقع ومعهود في الحروب! والأخطر أنه وجد أبا بكر – أحد جيرانه السابقين – قد استولى على أرضه وأبقاره، فماذا يفعل في هذه المُصبية؟ أولًا طلب من أبي بكر أن يرد له أرضه، فكان رد أبي بكر: لقد وجدتها خاوية على عروشها، وأنت لم تعُد إليها منذ أعوام مديدة!! فقررت إصلاحها وبذل العرق والمال فيها، حتى إذا بدأت تُؤتي أُكُلها تريد أن تأخذها مني غصبًا، هذا ليس عدلًا!
هذه الواقعة دفعت آدم وكثير من الذين وقعوا في المشكلة نفسها إلى التكتل والانخراط في حرب مع من استولوا على بيوتهم وأرضهم! وهذا يعني أن قرية (أرارا) مُقبلة على موجة عاتية من صراع طاحن ما لم تُدركها يد القدر الحانية.
قصة عم آدم هذه استمعت إليها من أهالي القرية، حيث شرفت بصحبة فريق الهلال الأحمر القطري العامل في إقليم غرب دارفور للاطلاع على تجربتهم في إعادة التماسك الاجتماعي بين القبائل المتحاربة، فقد أطلق الهلال الأحمر القطري بعد اتفاقية السلام التي وقعتها أطراف النزاع في دارفور بمنبر الدوحة في يوليو 2011م مشروع الوئام الاجتماعي بقرية أرارا/ محلية بيضة/ ولاية غرب دارفور، البالغ عدد سكانها قرابة 28115 نسمة، والذي بدأ في مايو2013م، والهادف إلى إعادة الوئام الاجتماعي بين القبائل في القرية أرارا، وقد حقق المشروع نتائج جيدة جدًّا على مستوى محاصرة الكراهية والتوتر في القرية.

تُعد حكاية عم آدم وحل مشكلته أحد نجاحات المشروع التي عرفتها ميدانيًّا من الأهالي، فقد أخبروني أن مشروع الوئام وضع حلًّا مُبدعًا لأزمة عم آدم ومن على شاكلته، وذلك عبر تقديم عرض مُغرٍ يقضي بـأنه إذا توافق العائدون إلى القرية مع الأشخاص الذين أخذوا أرضهم على عدم اللجوء للعنف، وقرروا الشراكة في زراعة الأراضي، فسُيقدم مشروع الوئام لهم مساعدات زراعية، مثل توفير البذور والأسمدة، وبعض الآلات الزراعية مما سيُضاعف الإنتاج، ويُمكن المتشاركين من زراعة مساحات أوسع وأكبر، فالأراضي الصالحة للزراعة هناك تقدر بمئات الآلاف من الأفدنة، لكن المشكلة في عدم توفر الآلات والخدمات الزراعية. وقد قبل العديد من أهالي القرية عرض الهلال الأحمر؛ وبهذا الحل ظلَّل السلام والوئام والعيش المُشترك بأجنحته على القرية وبدأت الحياة تدب فيها من جديد.
قصة عم آدم مثال واحد من عشرات الأمثلة التي سمعتها، عن دور مشروع الوئام، وقد لمست بنفسي العديد من الإنجازات خلال زيارتي للقرية، لا يتسع المقال لذكرها؛ فمشروع الوئام الاجتماعي في قرية أرارا حقق التالي:

أولًا: سخَّر كل المشاريع التنموية لصالح بناء الوئام والسلام بين القبائل التي كانت مشتبكة في الصراع؛ وحرص على استفادة كافة القبائل في القرية من المشاريع عبر الشراكة والتواصل، حتى تُبنى بينهم أواصر المودة والرحمة والتواصل التي قطعتها الحرب؛ ففصول محو الأمية المُنشأة يُراعى فيها تنوع خلفية الأطفال العرقية، بحيث تُعبِّر عن تنوع القبائل في القرية؛ فتكون فصول محو الأمية روضاتٍ لبناء السلام بين أطفال القبائل المتصارعة سابقًا.

ثانيًا: أشراك القبائل في إدارة المشروع؛ فوفق تصريح عمدة القرية وشيوخ القبائل لي: “هذا هو المشروع الوحيد الذي أخذوا رأينا فيه، وشاركنا في تنفيذه”. ما ساهم في نجاح وديمومة العمل.

ثالثًا: نجح في تكوين لجنة من الأهالي لفض النزاعات التي تنشأ بين أفراد القبائل على وجه السرعة، حتى لا تتسبب في أزمة كبيرة، وقد تلقَّت اللجنة تدريبًا محترفًا على طرق بناء السلام عبر الطرق التقليدية.

رابعاً: دمج المقاتلين السابقين فى المجتمع من جديد كمشاركين فى التنمية والبناء؛ ومن الأمثلة على ذلك أن اللجنة العليا لمشروع الوئام فى المنطقة يرأسها قائد عسكرى سابق لحركة العدل والمساواة وضع سلاحه وانضم للحياة المدنية.

وفى الختام هذه الحلقة أدعو المهتمين ببناء السلام وفض النزاعات متابعتنا فى الحلقات الثلاث القادمة لعلنا ننجح من خلال عرض هذه الخبرة فى افتتاح فضاءً اجتماعي جديد يشع بالأمل والسلام.

عرض مقالات ذات صلة
Load More By ياسر الغرباوي
Load More In صدى الأحداث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

بامكانك الاطلاع على

لقاء مع المفكر المصري الباحث والمهتم بقضايا بناء السلام والمصالحة المجتمعية

يحاوره د.عبد الله مشنون  يُعد الأستاذ ياسر الغرباوي أحد المفكرين المصريين البارزين عل…