الرئيسية صدى الأحداث حوارات التنوع على ضفاف البسفور: هكذا نجح إسلاميوتركيا وفشل الآخرون

حوارات التنوع على ضفاف البسفور: هكذا نجح إسلاميوتركيا وفشل الآخرون

0 ثانية
0
0
2,553

رحلة مركز التنوع إلى تركيا والتى تمت فى الفترة من 8/9/2014 إلى 21/9/2014 شملت العديد من الأنشطة الثقافية والتعريفية مع عدد من المؤسسات والهيئات والشخصيات التركية والعربية المهتمة بصناعة السلام وفض النزاعات مثل الدكتور / بسام ضويحي رئيس مركز أمية للدراسات، وأ/ أسامه عونى مدير مركز العلاقات العربية التركية، وكان من أبرز الشخصيات التركية التى التقي بها “التنوع” الدكتور عمر الفاروق قرقمار – مستشار رئيس الوزراء السابق نجم الدين أربكان والمفكر والمحلل السياسي –  والدكتور د/طوارن كشلاكجى مدير وكالة الأناضول للأنباء فقد التقى بهما الأستاذ/ ياسر الغرباوي مؤسس المركز بهدف تعميق الشراكة والعلاقة بين الفضاء الثقافي والإجتماعي التركي والعربي عبر الحوار والتواصل وفهم الطبيعة الثقافية والإجتماعية المكونة للوجدان الإجتماعي فى كلا الطرفين.

 وسنرصد فى هذه الورقة بعضا من أهم الأفكار والمقترحات التى دار حولها النقاش بين أ/ياسر الغرباوي والعديد من هذه الشخصيات والمؤسسات سالفة الذكر؛وذلك لتعظيم الفائدة المعرفية للجيل الشاب فى العالم العربي الذى يطمح إلى عدم تكرار أخطاء الماضي ويرنو ببصيرة نحو المستقبل ويترقب العيش فى فضاء يسوده السلام والكرامة الإنسانية والعدالة والاجتماعية .

المحور الأول : حاجة المنطقة العربية والإسلامية لإنشاء الجسور لابناء القلاع :

ترسخ من خلال زيارة التنوع لتركيا وبعد الاستماع للعديد من الشخصيات الثقافية والسياسية مدى حاجة المنطقة العربية وخاصة مناطق النزاع والحروب فيها مثل العراق وسوريا ومصروليبيا إلى جهد كبير ونوعي فى إطار البحث عن المشترك بين المكونات الاجتماعية المتصارعة والداخلة فى الأزمة من أجل محاولة بناء توافق مجتمعي يحفظ مصالح الجميع بدون استثناء؛ ففي نهاية المطاف ومن خلال الخبرة الميدانية الجميع سيجلس على طاولة التفاوض والتوافق بعد هذا الركام الضخم من الدمار والضحايا والشهداء، فلماذا لا نبدأ الآن بإنشاء مسار موازٍ جديدٍ يكون هدفه بناء الجسور بين مكونات المجتمع وليس تشيد القلاع ونشر حقول الألغام بين الجميع ؟؟وهذا يفرض على جميع المؤسسات العاملة فى صناعة السلام فى المنطقة ضرورة البدء فى اطلاق مبادرات إجتماعية قائمة على ضرورة إنشاء مؤسسات عربية وتركية مشتركة قائمة على فلسفة فض النزاعات وتسوية الأزمات هدفها المساهمة فى فتح فضاء أخر للتدافع الإجتماعي والسياسي قائم على تقدير واحترام الأخر المخالف وتجنب العنف والقتل والحروب الأهلية.

المحور الثاني : الحركة الإسلامية التركية وعوامل النجاح

وحول قضايا الحركات الإسلامية وعلاقتها بإستقرار المجتمعات العربية كان مركز التنوع حريص على الإستفادة من الخبرة التركية فى هذا المجال بحكم وجود أرضية مشتركة وهى أن المجتمع التركي مثل المجتمعات العربية برزت فيه حركات إسلامية كبيرة وعريضة ولها أنصار بالملايين لكن الفارق بين الحركة الإسلامية العربية والحركات التركية أن الحركات التركية عبرت بالمجتمع التركي نحو بر الأمان والإستقرار بدون التورط فى معارك صفرية وحروب أهلية تهدد استقرار الدولة والمنطقة والمجتمع فكيف تحقق للأتراك هذا الأمر ؟؟ تساءل المركز

فعرض الدكتور الفاروق جملة من الأسباب المعرفية والإستراتيجية التي تقف خلف نجاح الحركة الإسلامية التركية فى تقديم نموذج حضاري راق فى الداخل التركي ناجح على مستوى العمل التنموي والإنساني، وقادر على مواجه التحديات الداخلية والخارجية بحكمة واحتراف فى ضوء المصلحة الوطنية التركية بعيداً عن العنف والحرب الأهلية ؛وقد قمنا فى التنوع برصد وتحديد هذه العوامل وفق التالي .

أولاً: الفضاء الفقهي التركي

فمن المعروف أن المجتمع التركي يعد من أشهر المجتمعات الإسلامية التى تتبنى الفقه الحنفي على نطاق واسع، وقد بلغ هذه الأمر ذورته فى عهد الخلافة العثمانية، حيث  كان الفقه الحنفي هو المذهب المعتمد للخلافة العثمانية، ففضاء الفقه الحنفي أكثر اتساعا من الفضاءات الفقهية الإسلامية الأخري خاصة فى باب السياسة الشرعية لكونه يعتمد على الرآى ويقدره بدرجة كبيرة وهذا يتيح  مساحات واسعة للإجتهاد وإعمال العقل فى كافة المسائل، مما ساعد فى إعطاء مرونة فقهية كبيرة للحركة الإسلامية التركية فى تحركها السياسي وقدرتها على استيعاب وبناء تحالفات مع الأخر المخالف، فكون مؤسس الفقه الحنفي الإمام أبا حنيفة كان تاجراً فى السوق جعل أراءه الفقيهة قريبة من واقع الناس المُعاش ، وهو ما انعكس على معظم تلاميذ الإمام ، وعلى كل من تبنى المدرسة الفقيهة الحنفية بما فيهم الأتراك بطبيعة الحال.

 ثانيا: االتدين التركي الصوفي

 تدين المجتمع التركي تاريخيا يُعتبر ذا توجّه صوفيّ عميقٍ ورصين وله تقاليده المتوارثه عبر الأجيال منذ الرعيل الأول فى الخلافة العثمانية، وهذا الفضاء الصوفي المعنى بطهارة القلب والاهتمام بتزكية النفس والعكوف على مجاهدتها، والتواضع للخلق، والمستند على فلسفة أن الدين ما هى إلا معرفة الحق ورحمة الخلق جعل الوجدان النفسي للحركة الإسلامية التركية لا يستعلى على الأخر المُخالف فى الفكر والتوجه والمسار وهذا عكس الحركات الإسلامية العربية التى تأثرت بالتدين السلفي القائم على الإهتمام بمظاهر التدين الظاهري والمفاصلة بين الناس.

ثالثاً: عدم كثافة الأيديولوجيا الحركية

 أماالعامل الثالث المؤثر في نجاح الحركة الإسلامية التركية هو أن الحركة التركية عبر تاريخها الطويل بداية من الزعيم أربكان لم تنتج كتبا أيديولوجية ذوات حمولة فكرية كثيفة تؤثر على تصور الأفراد والقيادات للعالم والواقع التركي؛ فمثلا فى حركة الإخوان المسلمين لديها رسائل الإمام الشهيد حسن البنا، والتي تعد مرجعا حتى يومنا هذا للحركة على الرغم من مرور قرابة قرن على هذا الأفكار، وأيضا كتابات الأستاذ “أبو الأعلى المودودي” والتى تُمثل المسطرة الفكرية للجماعة الإسلامية فى باكستان ؛ وبالتالي أصبح لأتباع الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية ثقلٌ معرفيٌّ كبير يطلق عليه منهج الإمام والذى ينبغي على الحركة أن ترجع له عند إتخاذ قراراتها وهذا فيه صعوبة وتقيد للفعل والحركة ، ولذلك الحالة الإسلامية التركية غير ُمثقلة بأية كتابات أيديولوجية كثيفة تعيق الاجتهاد والحركة، فلم يؤلف أربكان كتبا يوضح فيها منهجه ولم يصدر أى قائد غيره كتابات يمكن أن تمثل أيديولوجية تتوارثها الأجيال وإنما الكل يتحرك وفق فضاء واسع لا تشغب عليه كثافة أيديولوجية ولا تقف فى وجه تصورات مسبقة عما يجب فعله والقياس عليه ، فالحركة الإسلامية التركية أفعالها وخياراتها فى تطور دائم ومستمر بما يتناسب  مع كل مرحلة ووقت وزمان .

رابعاً: عدم السقوط الحركة فى المعارك الصفرية

الحركة الإسلامية فى تركيا تمتلك خبرة تاريخية وسياسية تتعلق بفهم سيكولوجية العقل العسكري وكيف يفكر، وبأية طريقة يعمل ؛ فقد شهدت تركيا أربعة انقلابات عسكرية كبيرة  كان أخرها ما وقع فى عهد الزعيم نجم الدين أربكان فى العام 1998،وساعتها كانت الجماهير العريضة لحزب الرفاه  والتي تُقدر بنحو خمسة ملايين شخص مستنفرة ، وتنتظر الإشارة من رئيس الحزب لبدء التظاهرات والإعتصامات، ولكن نجم الدين أربكان فضل أن تخوض الحركة  الصراع مع الانقلاب العسكري عبر وسائل أخرى طويلة المدي لا تعتمد سياسة الصدام ومعارك تكسير العظام حتى لا يتعرض جسد الحركة الإسلامية، ومقدرات تركيا الوطنية للاستنزاف والتدهور. ومع مرور الزمن أثبتت التجربة بعد نظر الحركة الإسلامية التركية فى تجنب خوض المعارك الصفرية مع المؤسسة العسكرية التركية، لأن نتائجها وخيمة على الحركة والوطن والمجتمع فى نفس الوقت ،ويرى الدكتور/عمر أن هذه النقطة مفيدة للحراك الثوري العربي الحالي الذى يواجه أله القمع العسكري الباطشة بدون عقل ولا حرص على مصالح وممتلكات الوطن.

فى الختام يتضح لنا أن المؤسسات البحثية العاملة فى الساحة العربية والإسلامية بحاجه ماسة ودائمة إلى الزيارات المتبادلة، وورش العمل المشتركة؛ من أجل تبادل الخبرات وصقل القدرات والتعرف على الظواهر الإنسانية عن قرب ومعايشه حتى تستطيع المشاركة فى صياغة مستقبل جديد للوطن العربي يكون أكثر أماناً وسلاماً ووفاقاً.

عرض مقالات ذات صلة
Load More By ياسر الغرباوي
Load More In صدى الأحداث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

بامكانك الاطلاع على

لقاء مع المفكر المصري الباحث والمهتم بقضايا بناء السلام والمصالحة المجتمعية

يحاوره د.عبد الله مشنون  يُعد الأستاذ ياسر الغرباوي أحد المفكرين المصريين البارزين عل…