الرئيسية تقارير ومقالات حرية الإعتقاد .. أين الخلل

حرية الإعتقاد .. أين الخلل

4 ثانية
1
0
1,759

حرية الإعتقاد .. أين الخلل

أحمد أبوطالب*

 

عندما يشاهد المؤمن بالله الناس يقتلون بعضهم البعض بسبب الاختلاف في المذاهب أو حتى الأديان! فإنه يتوجب عليه أن يقف وقفة حازمة من أجل أن يشارك في وقف إراقة الدماء التي يعتبرها الله تعالى من أعظم وأخطر الجرائم التي قد يرتكبها الإنسان في حق عباد الله. قال تعالى { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما }.

ويتبادر إلى ذهننا هنا سؤال ، كيف يتجرأ الإنسان على قتل أخيه فقط للاختلاف؟ هذا السؤال بديهي للوهلة الأولى! ولكن يبدوا أنه لم يعد كذلك في ظل انتشار مبدأ الرأي الواحد بين صفوف الإنسانية حتى أن القتل أصبح مُبَررا. ولعلي هنا أساهم بهذا المقال في تقريب وجهات النظر وتوضيح الالتباس الحادث.

يخلط الناس بين مفهومين منتشرين عند المسلمين. مفهوم “أصول الدين” ومفهوم “أصول المذهب”. “أصول المذهب” هي كل الأفكار والعقائد التي طرحها علماء ورواد مذهب بعينة من أجل أن يرسموا للمسلمين خطا عقائديا وفقهيا بكيفية عبادة الله بالطريقة التي يعتقدون بصحتها. وبحسب فهمهم للنصوص القرآنية، والأحاديث النبوية بمقاييس صحة الحديث التي اتفقوا عليها ووضعوها من وجهة نظرهم العلمية والشخصية.

ويرتاد عامة الناس المذهب بطرق مختلفة. وأشهر هذه الطرق هي تقليد الآباء {هذا ما وجدنا عليه آباءنا}. وبهذه الطريقة يرتاد الشخص المذهب لأن أهله أو مجتمعه ومن حوله يرددون أقوال وأفكار مذهب بعينه فينشأ دون أن يعرف شيئا عن المناهج الأخرى. ولأنه من العامة والمقلدين فلن يرهق نفسه بالبحث والتقصي لأنها ليست من ضمن أولوياته. فيكون المحرك الرئيسي لأفكاره وتوجهاته إما أحد علماء المذهب! أو المؤسسات الإعلامية! أو حديث الناس! أو الخطب في المساجد! وغيرها.

من خلال الطرح السابق نستطيع أن نستشف أن المذهب أقرب ما يكون إلى حالة شخصية فردية، يُبني عليها إيمان واعتقاد فردي نحو أفكار المذهب دون بحث أو تقصى في اغلب الأحيان. بذلك أعتقد أن هذه الأفكار والأصول هي مُلزمة للشخص وحده دون غيره.

فلو أخذنا على سبيل التمثيل: لا يحق لرجل عامي يرتاد مذهب (أ) أن يفرض ويحارب ويقارع رجل عامي آخر يتبع مذهب (ب) كي يطبق أفكار وأصول مذهبه! لأن كل منهما يؤمن بنظرية مختلفة عن الآخر، بالإضافة إلى أنهما لا يعرفان أكثر مما سمعا عن من حولهما سواء من العلماء أو الإعلام أو من بقية أحاديث العامة من الناس.

وبطبيعة الحال يعد الاختلاف أمراً مشروعا. يقول الله تعالى {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم} وقال سبحانه وتعالى {إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون * ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء} وقال سبحانه وتعالى { ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم }.

من خلال الآيات السابقة نستشف كيف أن الله ضمن للإنسان حرية النهج والإرادة. وكما لا يغيب عنا فالفرد منا تتحكم به نوازعه الذاتية والتي تتحكم بمنهجه وتؤثر على تفكيره. كذلك كل إنسان يمر بأوضاع عاطفية وانفعالية تؤثر على قراراته الفكرية فيحدث الاختلاف بين الأفراد والجماعات. إذا فالاختلاف في المذاهب هو كالاختلاف في وجهات النظر والتفكير، وهذا لا يفسد للود قضية. خصوصا بين الطبقة العامة والمقلدة من الناس والمجتمعات.

فيجب أن تكون حدود العلاقة بين العامة والمقلدين من أتباع مذهب ومذهب هي حدود الجدال، النقاش، الاستفسار، والانتقاد. ليس أكثر من ذلك.

أما التسفيه، والخصام، والعداء الذي يصل إلى القتل إنما هو من فعل الشيطان والإفساد في الأرض. فليس لأحد التحكم في أفكار ومعتقدات الآخرين. ليس لأحد أن يحدد للآخرين كيفية عبادة الله. وللإنسان الحرية في اختيار دينه ومذهبه وطريقته للوصول إلى الله. دون التعرض للآخرين بأي شكل من الأشكال.

أما الاعتقاد بان المذهب الذي أعتنقه هو الطريق الوحيد الذي سيدخلني الجنة. بل ويصل الأمر بأتباع بعض المذاهب أنهم يمنحون بعضهم البعض صكوك دخول الجنة كونهم من أتباع مذهب بعينه وأنهم هم الفرقة الناجية لا غير!! ثم نجدهم في المقابل، ينتقدون النصارى لأن قساوستهم يمنحون أتباعهم صكوك دخول الجنة. وقد تناسى الجميع أن الله الواحد الصمد هو الذي يملك هذا الأمر وحده.

بناءا على السابق، نجد أن نقطة الاجتماع بين الإنسانية تتجسد في الفهم الأصيل “لأصول الدين”.

“أصول الدين” هي القواعد المشتركة التي يؤسس الإنسان عليها خط سيره في الحياة الدنيا لمعرفة الله للوصول إلى الآخرة وإعمار الدنيا بقوانين الله. هذه الأسس هي ليست لمذهب دون آخر أو حتى دين دون آخر. بل هي الخطوط العريضة التي يجب على الإنسان اعتمادها والسير على منهجها للوصول إلى بر الأمان.

وتتضمن “أصول الدين” التالي:

1.     البحث عن الله (كسر قاعدة هذا ما وجدنا عليه آباءنا).

2.     توحيد الله.

3.     إقامة العدل (الفردي – الاجتماعي)

4.     رفع الظلم (الفردي – الاجتماعي)

5.     مكارم الأخلاق

6.     الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.

 

من خلال هذه الأصول، نستطيع أن نعرف أين وقع الخلل الأعظم الذي أصاب أغلبية أهل الأرض في عصرنا الحاضر. ولو نظرنا جيدا للأصول السابقة نجد أن مناطق الاجتماع تكاد تكون واحدة. أما آليات البحث وطرقه والنتائج التي يصل إليها الإنسان فهي أيضا غير مُلزمة إلا للفرد بعينه. وليس لأحد الحق في ممارسة الفرض على الآخرين.

أما عن الحروب والمؤامرات والفتن التي سمعنا عنها في الماضي ونشاهدها اليوم والتي تحدث بين مذهب وآخر أو دين وآخر إنما هي مؤامرات سياسية شيطانية للإفساد في الأرض لأجل السيطرة على ثروات المستضعفين من الناس والأمم وبسط يد التحكم على عباد الله ونشر الفقر. ويجب على الإنسان وعي هذه المسائل ولا يغلبه الهوى والشيطان ليكون بجهله أحد الجبهات التي يقاتل فيها لأجل الشيطان ويكون أحد المفسدين الذين ينطبق عليهم الوصف في آيات القرآن الكثيرة.

ـــــــ

كاتب وباحث مصري

 

 

 

 

 

عرض مقالات ذات صلة
Load More By ياسر الغرباوي
Load More In تقارير ومقالات

تعليق واحد

  1. محمد

    12 مايو, 2011 at 8:07 صباحًا

    إن الاختلاف في الرأي والتفكيرـ سنة كونية وناموس إلهي… ولكن بالرغم من بساطة هذه المسألة واتفاق الجميع عليها (نظريا) إلا أنها لم تنعكس البتة على عقل المجتمع ووعيه….

    أما عن الحروب والمؤامرات والفتن التي سمعنا عنها في الماضي ونشاهدها اليوم والتي تحدث بين مذهب وآخر أو دين وآخر إنما هي مؤامرات سياسية شيطانية للإفساد في الأرض لأجل السيطرة على ثروات المستضعفين من الناس والأمم وبسط يد التحكم على عباد الله ونشر الفقر. ويجب على الإنسان وعي هذه المسائل ولا يغلبه الهوى والشيطان ليكون بجهله أحد الجبهات التي يقاتل فيها لأجل الشيطان ويكون أحد المفسدين الذين ينطبق عليهم الوصف في آيات القرآن الكثيرة.”

    استحداث الفرقة والخلاف والتنافر العنيف في أمتنا وبين مدارسنا الفكرية (الفتنة) هي بمثابة أكثر ما يمكن أن يفرح كيان العدو ويسنده ويسهل عليه ما طموحاته الاستراتيجية

    رد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

بامكانك الاطلاع على

لقاء مع المفكر المصري الباحث والمهتم بقضايا بناء السلام والمصالحة المجتمعية

يحاوره د.عبد الله مشنون  يُعد الأستاذ ياسر الغرباوي أحد المفكرين المصريين البارزين عل…