الرئيسية صدى الأحداث حروب المؤمنين

حروب المؤمنين

0 ثانية
0
0
1,912

ياسر الغرباوي

العربي الجديد

هناك فكرة سائدة تقول “لو آمن الناس بالدين حقاً لانتهت الصراعات في ما بينهم، ولتوقفت الحروب الأهلية للأبد، ولساد السلام وعمّ الوئام في العالم!!”؛ فهل تؤكد الخبرة الإنسانية وتجارب الشعوب فعلاً هذه المقولة أم تنفيها؟؟ وهل المجتمعات المؤمنة والمتجانسة مذهبياً يسودها السلام والاستقرار؟ وهل الإيمان وحده هو الذي يصنع التسامح؟؟ وللإجابة عن هذه التساؤلات أصحبكم في هذه الجولة التالية.

صفين الدامية

شكّل استشهاد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه صدمةً كبيرة للمسلمين، فانطلقت الأصوات تطالب بالثأر الفوري والعاجل من قتلة الخليفة عثمان، وكان على رأس هذا المُعسكر الصحابي معاوية بن أبي سفيان، وفريق آخر كان يري التروّي والانتظار حتى يستقرّ الوضع السياسي باختيار خليفة للمسلمين قادر على القصاص من القتلة، وكان على رأس هذا الفريق سيدنا علي بن أبي طالب؛ ولذلك امتنع معاوية وأهل الشام عن بيعة سيدنا علي، ورأوا أن يقتص علي من قتلة عثمان أولاً، ثم يدخلون في البيعة، وقالوا: لا نبايع من يؤوي القتلة؛ ثم تطور الأمر بين الفريقين ووصل إلى النزاع المسلّح؛ وتجسّد ذلك في معركة صفين في الأوّل من صفر 37 هـ، والتي قُتل فيها كثير من الصحابة الكرام، وعلى رأسهم سيدنا عمار بن ياسر، يقول أحد المقاتلين في صفين: “اقتتلنا ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ حتى تكسّرت الرماح، ونفدت السهام، ثم صرنا إلى المسايفة فاجتلدنا بها إلى نصف الليل، حتى صرنا نعانق بعضنا بعضاً، ولمّا صارت السيوف كالمناجل تضاربنا بعمد الحديد، فلا تسمع إلّا غمغمة وهمهمة القوم، ثم ترامينا بالحجارة وتحاثينا بالتراب وتعاضينا بالأسنان وتكادمنا بالأفواه إلى أن أصبحوا في يوم الجمعة وارتفعت الشمس وإن كانت لا ترى من غبار المعركة وسقطت الألوية والرايات.” وقد وصف المؤرخ الشهير ابن كثير في كتابه البداية والنهاية طبيعةَ القتال في صفين، وبالأخص في ما يُعرف بليلة الهرير ويوم الجمعة فقال: “وتعاضوا بالأسنان يقتتل الرجلان حتى يثخنا ثم يجلسان يستريحان، وكل واحد منهما ليهمر على الآخر، ويهمر عليه، ثم يقومان فيقتتلان كما كانا، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولم يزل ذلك دأبهم حتى أصبح الناس من يوم الجمعة وهم كذلك، وصلى الناس الصبح إيماء وهم في القتال، حتى تضاحى النهار، وتوجه النصر لأهل العراق على أهل الشام”.

الكنيسة المُقاتلة

شهد تاريخ القارة الأوروبية سلسلة من الحروب الدينية المعارك التي حدثت في القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلادي، بعد ظهور حركة الإصلاح البروتستانتية، واستمرت الحروب الدينية بصورة متعاقبة لمدة مائة وإحدى وثلاثين سنة بين عامي (1517 – 1648 م)، وجرت في سويسرا، وفرنسا، وألمانيا، والنمسا، وبوهيميا، وهولندا، وإنكلترا، وسكتلندا، وإيرلندا، والدنمارك، والسبب الرئيس في كل هذه المعارك هو اعتقاد الكنيسة أنها هي وحدها التي تملك الإيمان الأصوب النقي الواجب الانقياد له دون غيره!!!؛ وقد حدثت فظائع إنسانية رهيبة جراء تلك الحروب؛ فانتشرت المجاعات والأمراض وهلاك العديد من السكان، وانخفض عدد سكان ألمانيا بمقدار 30٪ في المتوسط؛ كما انخفض عدد سكان الأراضي التشيكية بمقدار الثلث. وحوصرت العاصمة الفرنسية باريس أياماً طويلة، وراح الباريسيون يأكلون لحم القطط والكلاب ويقتاتون بالعشب، وانتشر النهم الجنسي عند الرجال، ووجدت الفواحش والصور العارية سوقاً رائجة، وأصبحت الجريمة مألوفة، وأفرخت هذه الجريمة السرقة والقتل، وانتشرت الفوضى في الشوارع، وانتشر الانتحار في تلك السنين.

التجارب المعاصرة

أولاً: الاشتباك الكاثوليكي

في أبريل/ نيسان 1994، وخلال فترة لا تتجاوز 100 يوم، قُتل ما يربو على 800 ألف شخص في رواندا، وتعرضت مئات الآلاف من النساء للاغتصاب، عندما شنّ المتطرفون في جماعة الهوتو التي تمثل الأغلبية في رواندا حملة إبادة ضد الأقلية من توتسي؛ إذ قتل الجيران جيرانهم، كما قتل بعض الأزواج زوجاتهم المنتميات للتوتسي، وقيل لهم إن رفضوا فسوف يُقتلون، وكانت بطاقات الهوية الشخصية في ذلك الوقت تتضمن تحديد الانتماء العرقي، ومن ثم أنشأت المليشيات نقاط تفتيش في الطرق، حيث كان يجري قتل التوتسي، كما احتجزت الآلاف من نساء التوتسي ثم جرى اغتصابهن لاحقاً. وأنشأ متطرفو الهوتو محطات إذاعية وصحفاً تنشر الكراهية وتحثّ الناس على “التخلص من الصراصير”؛ أي قتل التوتسي. وكانت الإذاعة تبث أسماء الأشخاص الموجودين على قوائم القتل، وحتى القساوسة والراهبات، شاركوا في قتل بعض ممن لجأ إلى الاختباء في الكنائس. وفي ختام هذه التجربة المؤلمة من المهم أن تعلم أن هناك قاسماً مُشتركاً بين الهوتو والتوتسي وهو أنهم ينتمون جميعاً للديانة المسيحية ويدينون بالمذهب الكاثوليكي!.

ثانياً: تقاتل الشوافع

اندلعت الحرب الأهلية في الصومال بعد الإطاحة بنظام سياد بري من السلطة يوم 26 يناير/ كانون الثاني 1991. فبعد نجاح انتفاضة حركات التمرد شمالاً وجنوباً لإسقاط النظام العسكري للجنرال محمد سياد بري، فشلت جميع الجهود لإقامة حكومة دستورية في البلاد، إذ أعلن الإقليم الشمالي انفصاله تحت مسمى (جمهورية أرض الصومال)، ودخلت بقية الأقاليم والمحافظات في حرب أهلية مريرة. ونتج عن ذلك، بطبيعة الحال كما شاهد العالم، العديد من المجاعات التي تقتل آلاف الأطفال والنساء كل فترة من الزمن؛ ونتج عن هذا الوضع السياسي البائس أن تمددت حركة (الشباب المجاهدين)؛ وهي حركة تعتنق فكر القاعدة؛ وتدعو إلى المشاركة في (جهاد) ضد الحكومة الصومالية وحلفائها الصليبيين الإثيوبيين. وقد اغتالت هذه الحركة وزير الداخلية الصومالي السابق عمر حاشي أدن في 18 يونيو/حزيران 2009 الذي قضى في التفجير داخل فندق ببلدة بلدوين وسط الصومال وقتل معه 30 شخصاً على الأقل، إذ أعلن متحدث باسم الحركة في مؤتمر صحافي تبني الحركة للهجوم، ووصفها للوزير “بالمرتد الكافر”، وفي نهاية الدرس الصومالى ينبغي أن تعرف أن الشعب الصومالي كله تقريباً مسلم سُني شافعي، نسبة إلى مذهب الشافعي رحمه الله.

ثالثاً: صراع المالكية

النزاع المسلّح نشب في إقليم دارفورغربي السودان في فبراير/شباط 2003 بين القوات الحكومية السودانية وقوات الجنجاويد التابعة لها من جهة، والمجموعات المتمردة الدارفورية من جهه أخرى، مثل حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة، التي تنحدر أصولهم على الأغلب من القبائل غير العربية في دارفور؛ مثل الفور والزغاوة والمساليت. ونتج عن هذا الصراع المؤلم وفق إحصاءات المنظمات الدولية قرابة 200 ألف دارفوري، على الأقل، لقوا حتفهم منذ اندلاع المعارك، أما عدد الذين لجأوا للدول المجاورة، خاصة تشاد، فيبلغ عددهم 693 ألف، وأكثر من 800 ألف هجروا من بيوتهم داخل الإقليم ويعيشون في ظروف عصيبة على المناطق الحدودية، ما يعنينا في هذه التجربة أن نعلم أن طرفي الصراع من المسلمين السُنّة المالكيين، نسبة إلى مذهب مالك، وأن إقليم دارفور من أكثر مناطق السودان من حيث انتشار “خلاوي” تحفيظ القرآن، وأن القائد الدارفوي الدكتور خليل إبراهيم، والذي قُتل على يد القوات الحكومية كان أميراً للمجاهدين في فترة الحرب الأهلية بالجنوب التي أعلنت فيها حكومة البشير الجهاد على الجيش الشعبي والحركة الشعبية لتحرير السودان!.

نتائج الجولة الفكرية

• اشتراك الناس في الإيمان والمذهب ليس عاصماً من الحروب الأهلية والصراعات.
• الإيمان من دون برامج تُدبر قضايا الاختلاف وفضّ النزاعات لن يوفر الاستقرار والسلام.
• فكرة أن الإيمان وحده هو القادر على إنقاذ المجتمع من الاحتراب الأهلي هي دعوة للكسل والاستكانة، وعدم معالجة الأزمات بشكل جذري.
• سؤال الظلم والتهميش والتمييز في المجتمعات إجابته هي إقامة العدل وتحقيق المساواة وليس دعوة الناس إلى الهروب والتسليم تحت دعاوى الإيمان والخضوع للقدر.
• عندما يدّعي مكون ديني امتلاكه الحقيقة المُطلقة من دون الآخرين تبدأ الأزمات الطائفية.
• ليس صحيحاً أن المجتمعات المُتجانسة دينياً أكثر سلاماً من المجتمعات المتنوعة.

عرض مقالات ذات صلة
Load More By ياسر الغرباوي
Load More In صدى الأحداث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

بامكانك الاطلاع على

لقاء مع المفكر المصري الباحث والمهتم بقضايا بناء السلام والمصالحة المجتمعية

يحاوره د.عبد الله مشنون  يُعد الأستاذ ياسر الغرباوي أحد المفكرين المصريين البارزين عل…