الرئيسية تقارير ومقالات اوعى تدخل مزارع القصب (2)

اوعى تدخل مزارع القصب (2)

8 ثانية
0
0
2,329

ياسر الغرباوي

صديقي الشاب الجامعي الذى كاد أن يكفر بالسلمية والنضال الدستوري كطريق لنيل الحرية، والعيش بكرامة إنسانية على أرض أم الدنيا مصر، وبعد تحذيري له في المقال السابق من اللجوء إلى العنف واستعمال السلاح حتى لا يكرر تجربة الجماعات الإسلامية العنيفة في التسعينات عندما استخدموا مزارع القصب كمنطلق لشن الهجمات على أجهزة الدولة والقيادات الأمنية جاءني اليوم بسؤال جديد فقال يا أستاذ: الزعيم ماوتسي تونج الشجاع الذى حارب الأسرة الحاكمة الظالمة في الصين والاستعمار معها رفع شعار ثوري هام وهو الثورة تبدأ في حقول الأرز!!، وانطلق وسلح الفلاحين فحاربوا وانتصروا  مش كدا ولا أيه؟

الثورة تبدأ في حقول الأرز

قلت له صحيح معلوماتك الآن أصبحت أكثر دقة وأعمق من تلك التي كنت تستخدمها في النقاش الأول، فتعال نشوف العم ماوتسي تونج قصته أية بقى مع الثورة والتغيير؟؟ وليه فعلاً اتجه إلى حقول الرز ؟؟ قلت له عمومًا هذه فرصة للعودة إلى من كتابي الصادر في عام 2007 والذى عنوانه “حركات التغيير والحراك الجماهيري”1” فقد أوردت فيه قصة ماو مع الفلاحين ، في أكتوبر سنة 1927م اتخذ «ماو تسي تونج» قرارًا هامًا بالانتقال إلى الجبال في تسينجكانج؛ لبناء قاعدة وبناء صف جديد من جيش التحرير.

وكان عدد من قادة الحزب الشيوعي غير متفقين مع هذه المبادرة، فلم يكن هناك خلال هذه الفترة سوى أربعة ملايين عامل في الصين كلها، مقارنة مع 500 مليون من الفلاحين، لكن هؤلاء القادة كانوا يرون أنه رغم ذلك ينبغي للثورة أن تنطلق من المدن.. لكن «ماو» كان له رأي مخالف؛ إذ كان يقرُّ أن الثورة المضادة كانت قوية، بينما الثوريون ضعفاء ومشتتون، لهذا كان ينبغي  في نظره الذهاب إلى الريف، حيث كانت خطته هي بناء قاعدة ارتكاز كفيلة بمنح الدعم الاقتصادي والسياسي للنظام الثوري الجديد، وكان يعتبر أنها الطريقة الوحيدة للحصول على الدعم الحقيقي من الجماهير، وطريقاً لتطويق المدن والاستيلاء على السلطة فيها فجعل «ماو» شعار المرحلة الجديدة: «الثورة تبدأ في حقول الأرز»، بعدما فشل شعارها الأول: «الثورة تبدأ في مدن العمال»، وتحول مسار الثورة الصينية جغرافيًّا من ساحات المدن العمالية إلى مزارع الأرز الفلاحية  بمعنى الاعتماد على «شريحة الفلاحين» والذين يُمثلون فى هذه التجربة (شريحة التغيير) التى استطعت حسم الصراع لصالح حركة ماو، وأصبحت شريحة العمال فى هذه التجربة هى شريحة البدء فقط التى إنتهى دورها بتوصيل وحمل الفكرة إلى شريحة الفلاحين وفق رؤية القائد ماوتسى تونج الثاقبة فى تلك اللحظة، ونحج ماو تسي تونج في تكوين جيش من الحفاة، بلغ في بعض المراحل خمسين ألفًا من الجنود الأشداء، حقق من خلالهم أهداف حركته في الإقليم الصيني.

بين مزارع القصب وحقول لأرز

هذه يا صديقي قصة لجوء الثورة الصينية للمزارع والفلاحين فالهدف من تغيير اتجاه الثورة من المدن إلى القرى لم يكن من أجل استخدام العنف المسلح ضد الثورة المضادة، وإنما كان الهدف منها توفير ظهير جماهيري عريض ومؤيد، وداعم للثورة؛ يوفر لها الزخم البشري والاقتصادي ويقدر على حمايتها من بطش الحكومة المركزية، فمن خلال ملاحظة حجم شريحة العمال فى وقت ماو فى الصين والتى كانت تُقدر بنحو أربعة ملايين فرد لديهم  القدرة على حمل السلاح واستخدام العنف، وأقوياء وأشداء بدنيا من ناحية، ولديهم أيديولوجية اشتراكية قوة وعميقة من جهة أخرى، لكنهم فى ذات الوقت يفتقدون الظهير الاجتماعي الحامى والمُقتنع بهم وبثورتهم يا صديقي، فالقائد ماو خالف توجهات الحزب الاشتراكي الذى يُقدس الوسائل ويُصر على الاعتماد على شريحة العمال فقط دون غيرها والذىن هم فى الصين ليس لهم تأييد جماهيري واسع ولا يمثلون حاضنة اجتماعية قادرة على حماية الثورة، فالعبرة من قصة الثورة الصينية هى أن قوة أى ثورة تكمن فى حجم المؤيدين لها والمقنعين بها والقادرين على بذل التضحيات فى سبيلها وسط جموع السكان والجماهير فى داخل الدولة وخاصة من الأفراد العاديين الذى لا يحملون أيديولوجيا ولا ينتمون إلى الحركات والتنظيمات – رجل الشارع العادي_  ثم بعد ذلك يا صديقي  يأتى التفكير فى الوسائل سواء كانت عنيفة أو غير عنيفة أو تخضع لفكره النضال فوق الدستوري.

فالقاعدة الثورية الأولى ياعزيزي هى ( ألا إن القوة هي الجماهير الغفيرة) ؛فاستخدام السلمية أو العنف أو النضال فوق الدستوري من قبل الثوار والمناضلين بدون قوة جماهيرية حاضنة ومؤثرة وعريضة يعد ضربا من الانتحار والسباحة عكس التيار، ترهق الثوار وتقتل روح الثورة فى نفوس الجماهير .

وفى الختام أفصحت لهذا الشاب الجامعى عن سعادتى بالنقاش معه؛ فاليوم تقريبا نجحنا سويا فى  تحرير مصطلح  القوة من قيد التعريف الأحادى الجانب الذى يحصرها فى البندقية والرشاش والقنبلة، وتمنيت له ولمصر مستقبلاً أفضل تشرق فيه شمس الحرية وتسود فيه سحاب العدالة وتفشو فيها قيم الكرامة الإنسانية .

“1” رابط الكتاب http://: http://www.tanaowa.com/?p=1192

عرض مقالات ذات صلة
Load More By ياسر الغرباوي
Load More In تقارير ومقالات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

بامكانك الاطلاع على

لقاء مع المفكر المصري الباحث والمهتم بقضايا بناء السلام والمصالحة المجتمعية

يحاوره د.عبد الله مشنون  يُعد الأستاذ ياسر الغرباوي أحد المفكرين المصريين البارزين عل…