اهدموا القلاع!

0 ثانية
0
0
1,334

ياسر الغرباوي
المشهد البائس
المستبدون العرب سعوا إلى تفتيت مكونات المجتمع إلى فسيسفاء عرقية وأيديولوجية ومذهبية وفكرية يصارع بعضها بعضا، عبر دعاوى التخوين والعماله وإنتهاءً بالاشتباك الحاد والتصفية الجسدية؛ وهذا مكّن المستبدين من إطالة أمد أنظمتهم الفاسدة في حكم البلاد والعباد؛ من خلال نقل اهتمام الجماهير والكيانات السياسية والإجتماعية من خانة مقاومة الاستبداد، ونشر الحرية، وتحقيق العدالة، إلى ناحية القضايا الفرعية الأقل أهميةفما هو معنى الصراع بين القوى السياسية حول طبيعة النظام السياسي والمستبد هو المهيمن عليه ؟؟وما معنى التناحر حول مقاعد البرلمان في ظل حكومة تضرب بقراراته عرض الحائط ؟؟وما هومعني تجاذب القوى الإسلامية والعلمانية حول ملف الشريعة وما زالت الحرية والعدالة الاجتماعية غير مستقرة ولا تجد لها وطنا في الجسد العربي.الأنظمة المستبدة سعت إلى إقامة الخنادق والقلاع والسدود والحدود بين مكونات المجتمع هذا يمكن فهمه بحكم طبيعة عمل الإستبداد والقهر كما شرحها الثائر العربي / عبد الرحمن الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد

حفر الأخدود
أن تقوم قوى المجتمع نفسها بإقامة موانع التواصل بينها تحت قصف مدفعي متبادل من كثافة الأيديولوجيا والتعصب، ووصم الأخر بالدون والجهل والعماله؛ هذا إثم عظيم وقعت فيه معظم القوى الإجتماعية والسياسية، وخصوصا التي تستند إلي رؤية دينية حادة وتستخدم النص الشرعي بشكل متعسف في تدافعها السياسي مع الأخرين، والتي تعتبر كل خلاف سياسي مع الأخرين هو خلاف عقدي يمس الدين وصحيح العقيدة!!.

ووقعت فى الخطأ ذاته قوى سياسية أخرى طرحت رؤى سياسية واجتماعية مصتدمة مع الثقافة العامه في المجتمع والأمة، وللأسف الكثير من هذه القوى تعتبر المخالف لها رجعي ومتخلف وضد الحداثة والنهضة

.هذا الأسلوب في التعامل بين قوى المجتمع المختلفة كرس لفلسفة بناء القلاع ،بحيث أصبح انتقال فرد أو مجموعة من حزب إلى حزب أو من جماعة إلى أخرى أو من كيان إلى كيان كأنه معركة حياة أو موت تُكتب من أجلها المقالات، وتعقد لها المؤتمرات ، ثم تنتشر بعدها الشائعات، وُتستدعي الفتاوى الدينية وتشتعل الساحة الإعلامية لأن سين أو صاد غادر حزبه ،ثم يزداد الصراع ُسخونة مرة أخرى عبر خوض معركة تكسير عظام على الأرض هدفها الرئيس عدم السماح للطائر المغادر للحزب من تحقيق أي نجاح أو كسب للمشروعية وسط فئات المجتمع أو فى أروقة الدولة

.هذا الخلل تعاني منه تقربيا كل القوى السياسية في الساحة العربية فما هو السبيل إلى تفكيك هذه الفلسفة الحادة القائمة على تشيد القلاع بين كيانات المجتمع؟؟

الجسر المتين

يمكن تجنب هذا الخلل من خلال التالى

أولاً : أن يدرك الجميع أن أي فصيل يعمل بفلسفة بناء القلاع سيصطدم عاجلاً أو أجلاً بالكيانات الأخرى لأن الطرف الأخر سُيبادله نفس الشعور، فالحل يكمن في تبني فلسفة بناء الجسور وهدم القلاع عبر تخفيف الكثافة الأيديولوجية التى تحجب الرؤية وتجعل صاحبها لا يرى الدنيا ولا نفسه ولا فصيله بعين الإنصاف والتواضع.

ثانياً : على القوى الإجتماعية والسياسية أن تدرك أن جهدها في المجتمع لن يخترع العجلة من جديد، بمعني أن تعتبر جهودها ما هي إلا مساهمة بشرية ُتكمل جهود الأخرين وتخضع للخطأ والصواب فالمجتمعات تتقدم من خلال تدافع رؤى سياسية واجتماعية متباينة حول أفضل السبل للنهضة بالمجتمع وقد يكون السبيل الأضمن هو الاستفادة من جوانت قوة كل رؤية مطروحة والدمج بينها جمعياً.

ثالثاً: ينبغي للقوى الاجتماعية والسياسية أن تشجع أفرادها على الانفتاح علي ثقافة وأدبيات القوى الاجتماعية الأخرى لا بدعوى نقدها وإظهار العوار فيها وإنما بفلسفة قول الله سبحانة وتعالي ” الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه

فمن خلال التجربة الميدانية نجد أن الأفراد الذين تنقلوا بين كيانات سياسية متنوعة كانوا هم الأكثر قدرة على التواصل مع الجميع وبناء الجسور بين هذه الكيانات، ويأتي في هذا الإطار إسم الدكتور/ عبد الوهاب المسيري ،والمستشار/ طارق البشري، المناضل المفكرأ/ راشد الغنوشي، المناضل العربي د / منير شفيق، ود/ عزمي بشارة، وكثيرين غيرهم انفتحوا على العديد من الكيانات الوطنية ونجحوا في تكوين ذاكرة منصفة تقدرالحسن عند كل فصيل.

فليس هناك عيب في تنوع وكثرة الحركات والأحزاب والجماعات في المجتمع ولكن الخلل يأتي من حرص هذه الكيانات على الدخول في عزلة شعورية وفكرية قائمة علي فلسفة بناء القلاع وهدم الجسور.

عرض مقالات ذات صلة
Load More By ياسر الغرباوي
Load More In تقارير ومقالات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

بامكانك الاطلاع على

لقاء مع المفكر المصري الباحث والمهتم بقضايا بناء السلام والمصالحة المجتمعية

يحاوره د.عبد الله مشنون  يُعد الأستاذ ياسر الغرباوي أحد المفكرين المصريين البارزين عل…