الرئيسية تقارير ومقالات الانقلاب وإشعال الطائفية في مصر

الانقلاب وإشعال الطائفية في مصر

2 ثانية
0
0
1,532

ياسر الغرباوي*

من أهم مرتكزات الأمن القومى المصري ثلاثة قضايا كالتالي الوحدة الوطنية،واستمرار تدفق مياة النيل من منابعه جنوباً إلى شاطىء البحر المتوسط شمالاً؛ ووحدة التراب الوطنى؛ فمصر لن تتقدم ونسيجها الإجتماعى مهترىء و أمنها المائي مضطرب و أوصالها الجغرافية ممزقة، وبالتالى أى حدث سياسي أو اجتماعى يقع على أرض مصر يمكن تقييمه والوقوف على أثره  السلبي أو الإيجابى من خلال تأثيره الإيجابي أو السلبي فى مرتكزات الأمن القومى المصري ، ومن خلال هذه الزاوية  يمكننا أن نقف على النتائج المُترتبة على الإنقلاب العسكري الحاصل  يوم  الثالث من يوليو عام2013 ونتائجه السلبية على محور الوحدة الوطنية المصرية.وسوف أركز فى هذه الورقة على التأثير السلبى الواقع  على كاهل الجماعة الوطنية المصرية بشقيها المسلم والمسيحي.

المشهد العام

فور إعلان الفريق أول/ عبد الفتاح السيسى  بيان الإنقلاب وتعطيل أحكام دستور2012وعزل الرئيس المنتخب محمد مرسي وقعت حوادث حرق وتدمير للعديد من الكنائس المسيحية والأديرة التاريخية فى صعيد مصر و تحديدا ًفى محافظة المنيا وذلك وفق شهادة القس/ أيوب يوسف راعي كنيسة ماري جرجس بالمنيا في مداخلته التليفونية مع قناة “أون تي في”، حيث أكد أن” البلطجية اعتدوا عليهم بداية من يوم الثالث من يوليو منذ إعلان الانقلاب، وتم نهب دير أثري يرجع لأكثر من 1500 عام من قبل البلطجية.”،ثم تتابعت وقائع الإعتداء على الكنائس المسيحية ومؤسسات الخدمات التعليمية والتربوية والثقافية الخاصة بالعديد من الطوائف المسيحية منذ وقوع الانقلاب، وارتفعت وتيرة هذه الإعتداءات بشكل كبير بعد مذبحتى فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة، حيث بلغ عدد الكنائس التى تعرضت للأذى قرابة 40 كنسية وعدد المؤسسات التى نهبت قرابة 200 مؤسسة، وعدد القتلى المسيحيين فى الأحداث بلغ أربعة أفراد ،وذلك وفق إحصاء منظمة العفو الدولية فى تقريرها الأخير، وهذه الأرقام والوقائع بهذا الحجم تعتبر أمر غير مسبوق فى التاريخ المصري المعاصرمن ثلاثة زاويا هم:

الأولى: من حيث الكم  فقد بلغ مجمل الإعتداءات 240 إعتداء متنوع ما بين كنيسة ومؤسسة

الثانية: من حيث الإنتشار الجغرافى للإعتداءات:  فالأمر لم يقتصر على محافظات الصعيد وإنما امتد إلى السويس، وبورسعيد، وشمال سيناء،وبنى سويف وبعض الأحياء فى القاهرة الكبري.

الثالثة: من حيث الفترة الزمنية الوجيزة التى لاتتخطى حاجز المائة يوم .

المسئولية السياسية

وبغض النظر عن ملابسات تلك الوقائع وعن طبيعة الجهات الواقفة خلف هذه الإعتداءات وعن نوع الحكم القائم فى مصر، سيذكر التاريخ أن الإنقلاب هو من يتحمل المسئولية السياسية الكاملة عن هذه الحوادث المؤسفة التى وقعت فى عهده والتى تهدد بشدة وحدة وتماسك المجتمع المصري، وتفتح الباب واسعاً لصراع طائفى محتمل فى المستقبل يهدد معاش العباد واستقرار البلاد، فهناك شهادات تؤكد أن قوات الجيش والشرطة لم يقوما بالجهد الكافى لحماية مؤسسات الأخوة المسيحيين رغم طلبهم لذلك بشدة، فالقس/ أيوب يوسف راعي كنيسة ماري جرجس بالمنيا يقول “أنهم وجهوا نداءات كثيرة للشرطة والجيش لحماية الكنائس من البلطجية  ولكن دون استجابة لهم” بل أكد البعض أن الكنائس كانت تحترق وهى على مقربة من  نقطة شرطة الإطفاء والتى لم تتحرك لإطفاء الحرائق !!!!.، ومما يؤكد المسئولية السياسية لقادة الإنقلاب عن هذه الأحداث هو أن الفريق أول عبد الفتاح السيسي قد طلب علنا تفويضا من الشعب عبر التظاهر والحشد الجماهيري من أجل  إطلاق يده فى  محاربة الإرهاب المحتمل الذى سوف يضرب مصرعلى حد قوله، وقد استجابت قطاعات جماهيرية لهذا النداء وأعطت هذا التفويض المطلوب لكى ينعموا بالاستقرار والإطمئنان فى ظل حماية القوات المسلحة والشرطة لهم ، وبالتزامن مع ذلك كانت هناك تحذيرات أمنية مُعلنة بأن الكنائس مستهدفة بالتخريب والحرق وأن  المسيحيين مُهددين، وهذا كان يستدعى تعاملاً أمنيا يتسم بالسرعة والإهتمام ويهدف إلى تأمين المنشأت المسيحية بشكل أكثر دقة وإحترافاً وهذا ما لم يحصل بالمره !

لماذا وقعت هذه الإعتداءات ؟؟

بعيداً عن المسئولية الجنائية المباشرة للأطراف المتورطة فى الأحداث ومعرفة حجم تورطها فى الإعتداءات ، يعد السؤال الأبرز هو: ماهى الأجواء السياسية التى على شجعت على وقوع  مثل هذه الأحداث ودفعت قطاعاً من الشعب لإرتكاب هذه الجرائم بدون وعى؟؟ مما لاشك فيه أن الفتن الطائفية تحدث كرد فعل منفعل وغير عاقل لأوضاع سياسية غير عادلة يتعرض لها مجتمع من المجتمعات فى فترة من الفترات،ومن هنا تكون المسئولية الأخلاقية على السلطة السياسية القائمة والنخب الفاعلة بالغة الثقل لأن أى خطأ فى القرارات والإجراءات يحدث توتراً مباشراً فى المجتمع واضطرابا عارماً فى النسيج الإجتماعى خصوصا فى مجتمع متنوع مثل المجتمع المصري يعيش فى مرحلة تحول تاريخي فى حياته السياسية وسنرصد فى الأسطر التالية أهم الخطايا السياسية التى تورط فيها قادة الإنقلاب العسكري وحكومتهم المُعينة بقيادة -رئيس الوزراء د/ حازم الببلاوي- والتى تُعتبر السبب الرئيس فى تفجر أحداث العنف الطائفي الأخيرة بين المسلمين والأخوة المسيحيين.

الخطايا السياسية

أ‌.       استعانة قائد الإنقلاب العسكري الفريق أول /عبد الفتاح السيسى بالقيادات الدينية الرسمية الإسلامية والمسيحية  لحضور بيان إعلان الإنقلاب يوم 3 يوليو لاضفاء نوع من الشرعية الدينية على الإنقلاب أثر على الوجدان الشعبى بشكل سلبي وساهم فى توتر العلاقة بين مكونى الأمة المصرية المسلمين والمسيحيين ، لأنه خلط بشكل سيىء ومتعمد بين الدينى والسياسي وحمل المؤسسات الدينية مسئولية المشاركة المؤثرة فى الشأن السياسي وهذا بطبيعة الحال لايتماشى مع مهام هذه المؤسسات الدينية والروحية.

ب‌.  حرص قادة الإنقلاب على استخدام خطاب دينى يؤيد الإنقلاب و يبرر له استخدام العنف والقتل ضد المتظاهرين السلميين من خلال العلماء والدعاة المؤيدين لهم ففى الطرف الإسلامي  نموذج  الشيخ / على جمعه المُفتى السابق، وفى الطرف المسيحي قام البابا/ تواضروس  رأس الكنيسة المصرية بهذا لدور بنفسه عبر تصريحاته الرسمية بتأيد ترشح الفريق السيسى لتولى رئاسة مصر مما جعل قطاعاً واسعا من الشعب المصري يؤمن بأن المعركة الدائرة الأن فى مصر هى معركة هوية ودين وليست خلاف سياسي وحزبي

ج .إغلاق الإنقلاب ل6 محطات فضائية إسلامية مباشرة لها شعبية جماهيرية  فور إعلان البيان الأول للإنقلاب والذى استفز العديد من المصريين الذى اعتادوا على أجواء الحرية بعد ثورة 25 يناير، وخصوصا فى ظل ترك القنوات الليبرالية دون أن يمسها أحد بسوء.

د. قيام الحكومة  بسلسلة إجراءات تعسفية تجاه العديد من المؤسسات الخيرية الإسلامية العاملة فى المجال الإغاثى والخيري والتضيق عليها مثل ما وقع للجمعية الشرعية وجمعية رسالة، وتهديد العديد من الجمعيات بالإغلاق إذا ثبت أن بها أفراد من الإخوان المسلمين

ه. قيام وزارة الأوقاف بمنع الصلاة فى الزاويا التى تقل مساحتها عن 80 متر،وفصل العديد من الخطباء المشهوريين وقصر مهمة إلقاء الخطابة على خريجي الأزهر؛ ساهم فى سكب الزيت على النار بدرجة كبيرة لأنه تزامن مع منح تراخيص بناء كنائس جديدة مثل قرار رئيس الجمهورية المؤقت عدلى منصور بمنح ترخيص لبناء كنيسة ضخمة جديدة فى مدينة 6 أكتوبر،وهذا الإجراء الأخير أوحى للعديد من المصريين البسطاء أن هناك تحيزا  من سلطة الإنقلاب وحكومته نحو مُكون محدد من المصريين دون المكونات الإجتماعية الأخري لأن موقفه العام مؤيد للإنقلاب العسكري

و . بروز نقاشات علنية لأعضاء من لجنة الخمسين الخاصة بإعداد الدستور الجديد فيها مس علنى للهوية الإسلامية لمصر، ثم إتجاه اللجنة لحظر قيام أحزاب دينية دون وضع تعريف جامع مانع لماهية الحزب الديني المقصود بالقرار.

 كل  ما تقدم من خطوات وإجراءات  قام بها قادة الإنقلاب وحكومة الببلاوى جعل قطاعا واسعا من الشعب المصري الذي يبلغ تعداده قرابة 90 مليون نسمه، وتنتشر فيه الأمية بنسبة 40%، ويعانى 45 % من سكانه من الفقر يقتنع بأن المعركة السياسية الحاصلة الأن فى مصر هى معركة دينية بين إسلام وكفر!!،أو كما سماها بعضهم بين التوحيد والطاغوت!!،

 أو بين نخبة علمانية متطرفة تستعين بالكنيسة المصرية والجيش وبعض رجال الدين المسلمين الموالين لهم  للوقوف فى وجه  أنصار هوية مصر الإسلامية!!! .

هذا المناخ العام بالتأكيد أعطى غطاءً مناسبا للمتعصبين أو للجهات التى لاتريد خيرا بمصر وبالمصريين للقيام بهذه الأحداث الغير مسبوقة فى تاريخ الجماعة الوطنية المصرية.

و عندما نفسر هذه الزاويا لايعنى بأى حال من الأحوال أننا نبرر هذه الإعتداءات الأثمة التى تعرض لها المسيحيين المصريين، ولكنها محاولة للفهم الأعمق للأحداث وسبر أغوراها بعيداً  عن التجاذب الإعلامى المشحون .

الخلاصة

وبناء على ماسبق يتضح لنا التالي:

أولاً: أن الإنقلاب العسكري وعلى مدار المائة  يوم الأولي من عمره تسبب فى إحداث جراحات عميقة أصابت وحدة ومتانة النسيج الإجتماعى المصرى وخصوصا فى مساره الإسلامي – المسيحي، وهذا يعنى أن الأمن القومى المصرى بات أكثر تهديدا من ذى قبل.

ثانيا: إرتفارع معدلات الكراهية والإقصاء بين مكونات المجتمع المصري،فقد كان من دعاوى  التدخل العسكرى فى السلطة السياسية المنتخبة وإزاحتها دعوى الحفاظ على المجتمع المصري من الانقسام والحرب الأهلية !!! ولكن الواقع يؤكد الأن أن الإنقسام المحتمل قبل الإنقلاب أصبح حقيقة ماثلة للعيان بعد حدوث الإنقلاب .

ثالثاً: العقلية العسكرية ليس لديها القدرة النفسية الكافية لإدارة مكونات المجتمع المصري ؛فهى تنظر لمكونات المجتمع الواحد على أنها جبهات قتال ينبغى عدم تكاملها وتوحدها وتكتلتها مع بعضها ،لذلك العقلية العسكرية تعمل على إستمالة مكون إجتماعى ضد الأخر للحيلوية دون تكتل مكونات المجتمع ضد الإنقلاب

رابعاً: ما أحدثه الإنقلاب العسكري من شروخ اجتماعية وتسبب فيها يرجع لأن العقلية العسكرية لاتعرف معنى المعارضة والرآى الأخر فكل معارض للقرارات العسكرية هو فى نظر العقل العسكري خائن ينبغى عقابه والتنكيل به، فكل مكون اجتماعى أبدى إعتراضاًعلى الإنقلاب  قام قادة الإنقلاب بتشويهه والنيل منه فمثلا حركة مسيحيون ضد الإنقلاب تعرضت وتتعرض لهجوم إعلامى موجه ضدهم لأنهم ضد الإنقلاب

خامساً: الجروج العميقة التى أحدثها الإنقلاب العسكري فى نسيج الجماعة الوطنية المصرية سيحتاج لعقود من الزمن لترميمه ومعالجته فهناك دماء سالت وأعداد كبيرة قتلت ومؤسسات أحرقت وكل هذا يحمل ذكريات مؤلمة لدى قطاعات واسعة من الشعب وخصوصا بين صفوف المعارضين للإنقلاب .

فى الختام يحق للمصريين جميعا التساؤل بصوت عال لمعرفة ماهى الأثار الناجمة من الإنقلاب العسكرى على مرتكزات الأمن القومى المصرى؟؟ وما تأثير الإنقلاب على ملف التماسك الإجتماعى والسلم الأهلى، ووحدة الجماعة الوطنية المصرية؟؟، فهل أدى الإنقلاب إلى تقوية جبهات الأمن القومى المصرى أم ساهم فى اضعافها؟؟

المصدر: مصر العربية

*مدير مركز التنوع للدراسات

 

 



 

 

عرض مقالات ذات صلة
Load More By ياسر الغرباوي
Load More In تقارير ومقالات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

بامكانك الاطلاع على

لقاء مع المفكر المصري الباحث والمهتم بقضايا بناء السلام والمصالحة المجتمعية

يحاوره د.عبد الله مشنون  يُعد الأستاذ ياسر الغرباوي أحد المفكرين المصريين البارزين عل…